حكم الإحتفال بما يسمى عيد الغدير يكتبها فضيله الشيخ الدكتور يوسف الرخمي عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين
حكم الاحتفال بما يسمى (عيد الغدير)🔘
⭕️ السؤال:
ـ يحتفل بعض الناس في يوم 18 من ذي الحجة كل عام بمناسبة يسمونها (عيد الغدير)، ويقولون إنه في هذا اليوم خطب النبي صلى الله عليه وسلم في أصحابه، وذكر لهم من هو الخليفة من بعده وهو علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وأخذ البيعة له من جميع الصحابة، فهل هذا الكلام صحيح؟ وما هي قصة الغدير أصلا؟ وهل هذه المناسبة موجودة فعلا في المذهب الزيدي؟ تكرموا بالتفصيل حول المسألة جزاكم الله خيرا فقد كثير فيها النقاش والكلام.
💡 الإجابة:
ـ هذا موضوع طويل، ولا يمكن استيعاب كل الكلام المتعلق به في هذه السطور القليلة نظرا لسياسة القناة القائمة على الاختصار وتجنّب الأبحاث المطوّلة، ولكني سأختصر الكلام حول جوهر الموضوع من خلال النقاط التالية:
1⃣ قصة الغدير ذكرها غير واحد من المؤرخين، وخلاصتها كما روى ذلك ابن كثير في (البداية والنهاية) وغيره أنه لما أقبل علي رضي الله عنه من اليمن ليلقى رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة تعجّل إلى رسول الله قبل أصحابه، واستخلف على جنده الذين معه رجلا من أصحابه، فعمد ذلك الرجل فكسى كل رجل من القوم حُلّة من البزّ الذي كان مع علي، فلما دنا الجيش خرج عليّ رضي الله عنه ليلقاهم فإذا عليهم الحُلل، فقال لنائبه: ويلك ما هذا؟ قال: كسوت القوم ليتجمّلوا به إذا قدموا في الناس. فقال: ويلك، انزع قبل أن ينتهي الأمر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. فانتزع الحُلل من الناس فردّها في البزّ، وعنّف نائبه ولامه على ما فعل، فأظهر الجيش التذمّر والشكوى، واختلفوا معه، وتوعّدوا أن يخبروا رسول الله صلى الله عليه وسلم بما لاقوه منه من الغلظة والشدة، فلما قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثروا من الكلام على علي وأغلظوا عليه في القول، فترك النبي صلى الله عليه وسلم الحديث عن هذه المشكلة حتى انتهى موسم الحج وعاد مع أصحابه إلى المدينة، وفي الطريق بين مكة والمدينة في مكان يجتمع فيه الماء يسمى (غدير خُمّ) قام النبي صلى الله عليه وسلم خطيبا في أصحابه الذين قدموا معه من المدينة مدافعا عن علي رضي الله عنه، ومبيّنا خطأ من وقعوا فيه وتكلموا عليه، ثم قال: (من كنت مولاه فهذا علي مولاه)، ولهذا اشتهرت هذه القصة باسم غدير خُم، وسيأتي الكلام حول الاستدلال بهذه الرواية.
2⃣ ليس في مذهب زيد بن علي ما يسمى بعيد الغدير، ولم يحتفل بعيد الغدير أحد من الزيدية في اليمن منذ أن أتى الهادي يحيى بن الحسين إلى اليمن في نهاية القرن الثالث وحتى أواخر القرن الحادي عشر الهجري، ولم يبدأ الاحتفال بذلك إلا في نهاية القرن الحادي عشر عام 1073هـ في عهد المتوكل على الله إسماعيل بإشارة من أحد أمرائه، كما ذكر ذلك المؤرخ يحيى بن الحسين في كتابه المسمى (بهجة الزمن) فقال: (وفي هذه السنة ابتدأ أحمد بن الحسن بشعار يوم الغدير في ثامن عشر يوم من ذي الحجة بنشر الأعلام والألوية والحربة، والمتوكل اقتدى به ففعله من بعد وهو بحبور)، وأما خارج اليمن فأول من فعله: معز الدولة بن بويه أحد أمراء دولة بني بويه في بغداد سنة 352هـ، كما ذكر ذلك ابن كثير وغيره.
3⃣ يتبين مما سبق أن ما يسمى بعيد الغدير بدعة منكرة لم يفعلها النبي صلى الله عليه وسلم ولا أحد من أصحابه، ولا فعلها علي رضي الله عنه ولا أحد من أبنائه، ولا فعلها زيد بن علي ولا أحد من أبنائه، وأنها اختراع من بعض المتعصبة في اليمن بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم بألف ومائة سنة، ومن زعم أن أحدا فعلها في اليمن قبل هذا التاريخ فليأتنا بالدليل، ويكفي في قبح هذه البدعة أن مؤسسها دولة بني بويه تلك الدولة الشيعية المارقة المتعصبة التي فتحت على المسلمين شرورا عظيمة ببغداد.
4⃣ القول بأن النبي صلى الله عليه وسلم أوصى بالخلافة لعلي رضي الله عنه في غدير خُم كذبة عظيمة، وفِرية قبيحة اخترعها قوم من الغلاة المتعصبين الذين لا ورع عندهم ولا تقوى، ونتيجة لبدعتهم الشنيعة هذه يسمون عليا رضي الله عنه بـ (الوصي) أي: الذي أوصى له نبينا صلى الله عليه وسلم بالخلافة بعده، وأسوأ ما في هذه الكذبة أنها تطعن في صحابة النبي صلى الله عليه وسلم وهم عشرات الألوف بأنهم جميعا تعمّدوا مخالفة نبيهم، وتعمّدوا معاداة علي رضي الله عنه، إلى جانب أنها فكرة دخيلة على ديننا وشريعتنا التي لا تقيم وزنا للأنساب والأحساب، وإنما المعيار فيها: (إن أكرمكم عند الله أتقاكم).
5⃣ استدل هؤلاء الغلاة على فِريتهم بحديث النبي صلى الله عليه وسلم الذي قاله في غدير خم: (من كنت مولاه فعلي مولاه) وهو حديث مختلف في صحته رواه أحمد والترمذي وابن ماجه، ورجح ضعفه الزيلعي والبخاري وإبراهيم الحربي، ومال إلى تصحيحه الذهبي وهو قول العلامة الألباني، وأما زيادة: (اللهم وال من والاه وعاد من عاداه) فقد رواها أحمد وابن ماجه، واختلفوا في صحتها أيضا، وحكم لها بالصحة الذهبي والألباني وأحمد
شاكر بمجموع طرقها، وأما زيادة (وانصر من نصره، واخذل من خذله) فلا تصح، وليس في شيء من تلك الروايات ما يدل على الوصية بالخلافة لا من قريب ولا من بعيد، وبيان ذلك من خلال النقاط التالية:
أ- المراد بالموالاة هنا: أي المحبة والمودة والنصرة، وسياق القصة المذكور سابقا في بيان سبب الحديث يدل دلالة واضحة على ذلك، ويشهد لذلك أيضا قوله: (اللهم وال من والاه) أي أحب من يحبه، ولا يمكن حمله على الولاية بمعنى الخلافة كما هو ظاهر، ولذا قال بعده (وعاد من عاداه)، وهذا المعنى قد ورد في قوله تعالى: (ذلك بأن الله مولى الذين آمنوا وأن الكافرين لا مولى لهم) أي ناصر ومؤيد المؤمنين وليس للمشركين من ينصرهم ويؤيدهم، وكذا قوله تعالى: (بل الله مولاكم وهو خير الناصرين)، وقوله: (وإن تظاهرا عليه فإن الله هو مولاه وجبريل وصالح المؤمنين والملائكة بعد ذلك ظهير)، علما بأن كلمة (المولى) لها ستة عشر استعمالا ومعنى في اللغة، ذكر ذلك ابن الأثير في غريب الحديث، ويحدّد المعنى المراد سياق الكلام، ولكن الغلاة تركوا ذلك كله وتمسكوا بما يدعم بدعتهم فقط.
ب- إذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يقصد بكلامه هذا الخلافة فلماذا لم يعبّر عن ذلك بلفظ صريح وواضح، كأن يقول مثلا: أنت الخليفة من بعدي، ونحو ذلك، وإنما لجأ إلى لفظ محتمل في أمر خطير كهذا وهو أفصح الناس، ويكون بهذا قد تسبب في كل هذا الخلاف والنزاع في الأمة؟!
ج- لو كان الحديث متعلقا بالخلافة والولاية العظمى لاستغل النبي صلى الله عليه وسلم وجوده في موسم الحج وفي خطبة الوداع والناس يومئذ نحو مائة ألف من أنحاء الجزيرة العربية، فلماذا يترك هذه الفرصة الذهبية ويتأخر في هذا البلاغ المهم حتى يغادر الحجاج، ويغادر هو مكة ويبتعد عنها عشرات الكيلوهات حيث غدير خم مع نفر قليل من أصحابه الذين قدموا معه من المدينة؟!
دـ لماذا لم يذكر أحد من الصحابة هذه الخلافة المزعومة وهم عشرات الآلاف؟! وهل يعقل أنهم جميعا بدون استثناء قد نسوا ذلك؟ أو تواطئوا على كتمانه؟ ولماذا لم يذكر أحد ذلك لا في عصر النبي صلى الله عليه وسلم ولا يوم السقيفة الذي تمسك فيه المهاجرون بأحقيتهم في الخلافة وتمسك الأنصار بأحقيتهم، ولم يثبت أن أحدا منهم ولا من أقارب النبي صلى الله عليه وسلم قد استدل بهذه الرواية، بل قد ورد عكس ذلك كما روى البخاري في صحيحه أن العباس قال لعلي رضي الله عنهما في وجع النبي صلى الله عليه وسلم الذي مات فيه: إني والله لأرى رسول الله صلى الله عليه وسلم سوف يتوفى من وجعه هذا؛ إني لأعرف وجوه بني عبد المطلب عند الموت، اذهب بنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فلنسأله فيمن هذا الأمر؟ إن كان فينا علمنا ذلك، وإن كان في غيرنا علمناه فأوصى بنا، فقال علي: إنا والله لئن سألناها رسول الله صلى الله عليه وسلم فمنعناها لا يعطيناها الناس بعده، وإني والله لا أسألها رسول الله صلى الله عليه وسلم. وهذا دليل صريح على أن العباس وعليا لم يكن أحد منهما يعرف من هو الخليفة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
هـ- كيف يقوم علي بمبايعة الخلفاء الثلاثة أبي بكر وعمر وعثمان على الرغم من أنه خليفة منصوص عليه بحسب زعمهم؟! وهل تعمّد بذلك مخالفة أمر النبي صلى الله عليه وسلم؟! ولماذا لم يحتج بهذا الحديث حين وقع الخلاف في اختيار الخليفة بعد موت عمر، وحين انحصرت المنافسة بينه وبين وعثمان؟!
و- كيف يوافق علي بأمر التحكيم بينه وبين معاوية ما دامت ولايته بأمر الله، ومنصوصٌ عليها من الله؟! أليس هذا عصيان لأمر الله؟!
ز- كيف يقبل عليٌ أن يزوج ابنته من عمر رضي الله عنهما وهو مخالف لأمر الله وعاص له باغتصاب الخلافة منه كما يزعمون؟!
ح- الولاية عند غلاة الشيعة من أصول الدين وليست من الفروع، فلماذا لم تنزل فيها آية صريحة أو حتى حديث صريح وهي بهذه الأهمية عندهم، مع أنه قد ذُكرت بيعة الرضوان في القرآن وهي أقل شأنا وأهمية من بيعة الخلافة؟!
6⃣ لنفترض جدلا أن الحديث نصّ على خلافة علي رضي الله عنه فعلا، فما فائدة الاحتفال سنويا بهذه المناسبة وقد تُوفي علي وجميع الصحابة رضي الله عنهم منذ 1400 سنة، ولم يعد هناك من فائدة للتذكير بهذا، إلا أن يكون المراد إيغار الصدور، ونشر الخلاف، وزرع الفتنة.
7⃣ ولنفترض جدلا أن الحديث نصّ على خلافة علي فلماذا يزعم الشيعة أحقيتهم بالحكم والخلافة، وما علاقتهم بالموضوع؟! وهل تضمن الحديث نقل الخلافة في أبنائه وذريته إلى يوم القيامة؟! هذا بغض النظر عن صحة النسب إلى علي رضي الله من عدمه.
وبهذا تعرف كمية الكذب والتزوير الذي يمارسه البعض باسم الدين، وكيف يريد الوصول إلى أطماعه وشهوته في الحكم باختلاق القصص والخرافات، وتحريف الدين!
والله المستعان.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لمتابعة قناة فتاوى د. يوسف الرخمي على (تليجرام): افتح الرابط ثم اضغط اشتراك
http://t.me/alrkhme