لماذا يشعر الإنسان بالتهديد من كلام الاخرين

لماذا يشعر الإنسان بالتهديد من كلام الاخرين



لماذا يشعر الإنسان بالتهديد من كلام الاخرين

أقيس قوّة الإنسان، أيّ إنسان؛ بمستوى تحمُّله للنقد. استعداده لسماع أقسى كلام ممكن عنه دون أن يشعر بمثقالِ ذرةٍ من خوف أو أذئ. تُفرغني هشاشة الإنسان، كيف يضطرب ويفقد ثباته لمجرد أن أخر قال كلمة عنه.

لماذا يشعر الإنسان بالتهديد من كلام الأخرين، بالجرح، بالغضب، بالخوف..؟ هو يشعر بالجرح ؛ لكأن ما يُقال يُهدده بشكل شخصي، كأنه استهداف لجوهره الوجودي. يعتقد أن وجوده عرضة للخلخلة حين يتعرض لكلام يُشكك بجزئية من هنا أو هناك متصلة به أو حتى يلفت انتباهه لتصويبها.

غالبًا ما يتناسب قلقه من النقد مع تورطه في التماهي بين جوهره الداخلي وما يُقدمه للعالم خارجه. إعتقاده أن ما يُقدمه للعالم هو جوهره وأن عمله هو شخصيته الوجودية، لقد التحم بما يُنجز وفقد المسافة الضرورية للأمان. أنت لست نصوصك المكتوبة، أنت لست مجرد برنامج ولا منصب. كل ما أنتجته ليس أنت، تلك تجليات عابرة لجوهرك العميق؛ يرتفع ويتذبذب هنا وهناك، دون أن يمثل تعبيرا كاملا عن ذاتك الحقيقية. ولا يوجد مطلقـا ما يبرر وجلك من الأخرين.

كل الناس يقولون : نحن نتقبل النقد؛ لكن الحقيقة أنهم عند هذه الفكرة كاذبون ويمارسون أكبر عملية نفاق وتضليل ضد أنفسهم. جرّب أن تعارض مثقفًا ما وستجده يشعر بالضغينة تجاهك للأبد. لم أصادف شخصًا شجاعًا يقول بوضوح: أنا لا أتقبل النقد ولسوف أقاتل كل من يعترض عليّ بكلمه. كنت سأحترمه بهذه الحالة. على الأقل تقديرا لهذه الفضيلة. بدلا من تلك الادعاءات الخادعة عن تقبل النقد، فيما هو يتململ ويهيج ويسخط ضد كل من يعارضه..

أنت خائف لكونك تود إخفاء حقيقة معينة عن ذاتك أو لأنك تعتقد أن ما تقوله هو الحقيقة النهائية، وربما وهذا الأهم، خائف لأن تصورك عن وجودك مغلوط. احتفظ بطمأنينتك الكاملة إزاء أي نقد. الأمر ليس كذلك أبدا. بل إن المبدع الحقيقي، يُفتش عن أقصى فكرة تناهضة، يعانق كل من يستطيع زعزعة فكرته. لا يطمئن لحالته؛ حتى تتناهشه كل الرؤوس ولو انتهى به الأمر مضرجًا بالدم ومجردًا من أي قيمة؛ لكان ذلك مصدر غبطة له، وفداء للحقيقة.

أنتمي لخصومي وأبتهج بكل فكرة تستفزني، كل رؤية مضادة لما أؤمن به، أنا مدين لها بكثير من التحفز، إنها توقظني من الخدر وتدربني على احتضان الحقيقة المزعجة، كل من يصفعني بفكرة، أشعر برغبة عالية في احتضانه وأظل مدينًا له بتلك اللسعة الشافية. كل من ينسف أوهامي ويحرمني من النوم، هو مصدر من مصادر تغذيتي.

لا يوجد كاتب حقيقي، مثقف أو فنان أو أي إنسان منتج للقيمة والمعنى، يدافع عن نفسه. اترك الأخر يهدم حدود نفسك، لن تتسع رؤيتك لهذا العالم، ما دمت تدافع عند حدودك. هذا أمر كاشف للهشاشة ودليل وهم خطير. هل أنت حارس الحقيقة ؛ كي تهتاج بتلك الصورة المؤسفة. بالطبع لا. أهلا بكل من يحمل معولا ؛ كي ينسف أوهامي، ويمنحني امتدادا جديدا في الوجود.

تفضلوا سحور يا عيالي ♥️♥️

x