الطفولة العقلية بين الاغتراب الثقافي والاغتراب التاريخي مقال للاستاذ الدكتور فؤاد البنا

الطفولة العقلية بين الاغتراب الثقافي والاغتراب التاريخي مقال للاستاذ الدكتور فؤاد البنا



الطفولة العقلية بين الاغتراب الثقافي والاغتراب التاريخي!

أ.د.فؤاد البنا

تُعلمنا الأشجار أن الزمن شرط أساسي من شروط النضج للثمار، وينطبق هذا الأمر على الأفكار، إذ يحتاج النضج العقلي إلى زمن كاف يختلف بحسب الذكاء الوهبي وطرائق التعلم ومناهج التفكير، مع ما في هذا الأمر من فوارق نسبية كبيرة، فقد ترى شابا بعقل شيخ وترى شيخا بعقل مراهق!

ويمكن القول بأن النضج العقلي لا يتأتى إلا لمن يُعملون عقولهم تفكراً في الآيات المنظورة وتدبراً للآيات المسطورة، وتبصراً بقصص الماضين والمعاصرين.

أما من أطفؤوا مصابيح عقولهم وحوّلوها إلى أواني يبذلون جهودهم من أجل ملئها بتجارب من سبقهم من المسلمين أو من عاصرهم من أصحاب الثقافات المغايرة؛ فإنهم سيظلون يعانون من طفولة عقلية وسيظلون يَحْبون على ركبهم وربما جاءهم الموت وهم ما زالوا يمشون على أربع ولم يتعلموا الوقوف بعد!

ويبدو أن النضج العقلي يحتاج إلى أمرين رئيسيين:

الأول: الانغراس في قلب العصر، بعيدا عن الانغماس في الماضي الذي يجعل العقل في غربة تاريخية عن واقعه ومتغيرات عصره!

الثاني: التأصّل في البناء الفكري والانسلاك في فلك الثقافة الإسلامية بمعناها الشامل قلبياً وعقليا، من خلال الاعتزاز بروح الإسلام وامتلاك القدرة على الارتشاف المباشر من منهل الوحي، بعيدا عن عقدة النقص ومحاكاة الثقافة الغربية التي توقع العقل في اغتراب ثقافي خطير يفقده هويته المستقلة وذاتيته المتميزة.

ومما لا شك فيه أن الاغتراب التاريخي والاغتراب الثقافي يُفقدان العقل قدرته على التفكير السوي وينزعان فاعليته الفكرية، ويَحرمانه من الإبداع الذاتي؛ ليصبح تابعا لا متبوعا ومنفعلا لا فاعلا، ومن ثم فإن غثائية الأمة تزداد عشرات الكيلوجرامات في كل فرد يصيبه داء الاغتراب التأريخي أو يقع في هوة الاغتراب الثقافي !

x