التحليل النفسي لآفة المهدي المنتظر مقال للدكتور فؤاد البنا

التحليل النفسي لآفة المهدي المنتظر مقال للدكتور فؤاد البنا



التحليل النفسي لآفة (المهدي المنتظر)!

أ.د.فؤاد البنا

بالنسبة لأحاديث المهدي المنتظر، ثبت عند بعض أهل الحديث بأن ما صح منها فإنها غير صريحة في تعيين شخصية المهدي، وما صرّح منها بذكر قصة هذا الرجل فإنها غير صحيحة؛ ومن ثم فيبدو لي أن هذه القصة إنما هي آفة من آفات التدين عند أهل الأديان السابقة للإسلام انتقلت إلى المسلمين من باب: "لتتبعن سنن من كان قبلكم شبرا فشبرا وذراعا فذراعا حتى لو دخلوا جحر ضبّ لدخلتموه.."!

وفي المنظور النفسي والاجتماعي فإن قصة المهدي عرَض من أعراض الأزمة الفكرية والنفسية التي تعاني منها أمتنا في هذا الزمن، ويبدو ذلك واضحا على الأقل من ثلاثة جوانب:

الجانب الأول: أنها تعبير عن الفقر القيادي الذي تعاني منها بلدان المسلمين، فكأن الذين يكرسون هذا المعتقد يقولون بأن مقومات القوة موجودة في هذه الأمة، وإنما ينقصها القائد المنتظر الذي يجمع شتات الأمة ويذكي هممها ويستثمر طاقاتها في سياق استعادة الشهود الحضاري، وسيأتي ليسد الفراغ الذي تركه قادة اليوم، وأنه سيصلح ما أفسدوا ويبني ما خربوا، وسيملأ بلدانهم عدلا بعد أن ملأها هؤلاء جورا، وسيعيد الأموال لمن سلبت منهم ويرد الحقوق لمستحقيها، ويقيم الهرم الاجتماعي الذي انتكس في عصرنا حتى صار الكذاب صادقا والخائن أمينا والرويبضة ناطقاً باسم الناس!

الجانب الثاني: أنها تجسيد حي لهروب أعداد واسعة من المسلمين من عالم الشهادة الذي يموج بالأسباب والسنن إلى عالم الغيب الذي يزخر بالأسرار والخوارق، وفرارهم من عالم التكليف الذي يتطلب بذل كل جهد واستفراغ كل وسع إلى عالم الكرامات الذي ينتظر فيه المرء عطايا الله من دون جهد ولا تعب، وكأن حضور المهدي من عالم الغيب سيغطي النقص الحاصل في عالم الشهادة؛ نتيجة غياب هؤلاء عن اجتراح الصالحات وممارسة العمل الجاد !

الجانب الثالث: أنها تأكيد على أزمة الرجولة التي يعاني منها أغلب أفراد أمة الإسلام في عصر الغثائية التي أخبر عنها الرسول صلى الله عليه وسلم على سبيل التحذير، حيث استوطنت عقولهم أفكارُ الخرافة وشاعت في حياتهم مسببات الغثائية، وصاروا في حالة من العجز أغرقت فعاليتهم في مستنقع الانفعالات، وملأت جوانحهم ومواجيدهم بمشاعر النقص والدونية، لدرجة أنهم صاروا لا يجدون أي غضاضة في البحث عن رجل واحد يخلصهم من تحديات فرضها عليهم أناس مثلهم، رغم أن أعدادهم بمئات الملايين وكأنهم ليسوا رجالا!

ومما يؤكد هذا التحليل أن أدعياء المهدي المنتظر، إنما ظهروا ويظهرون في أوقات تلقي بلدانهم للهزائم أمام الأعداء، في ظل تسيد الضعف وشيوع السلبية، كما يحدث في زماننا هذا الذي ظهر فيه العشرات ممن ادعوا بأنهم المهدي المنتظر في مختلف البلدان والمجتمعات!

ثم إن هذا الداء قد ظهر في فترات الانكسار الشديد عند اليهود والنصارى، بل وعند البوذيين والهندوس، فكلما مرت هذه الأمم بمراحل وهن واستضعاف من قبل أعدائها نهض من أبنائها من يبث الأماني في الأرجاء وليبشر اليائسين بأن الفرج قادم لا محالة!

يمكنك الانضمام إلى قناة أ.د.فؤاد البنا على التليجرام عبر هذا الرابط:

https://t.me/ProFB

x