قبل أن نندم مقال رايع للدكتور إياد قنيبي

قبل أن نندم مقال رايع للدكتور إياد قنيبي



قبل أن نندم:

الحرمان الخفي

كثيرا ما يغتر أحدنا بأن وضعه الديني "مستقر"... فعلى الرغم من أنه مقصر في الطاعات/الخشوع/نصرة الدين/طلب العلم الشرعي النافع/الرد على المشككين/تقريب الناس من ربهم...وعلى الرغم من عمله المشوب بالحرام/نظراته المحرمة/تراخيها في حجابها/ضوابط التعامل بين الجنسين...

على الرغم من هذا كله إلا أن الله تعالى لم يفتنه عن دينه، فها هو لا يزال يصلي ويصوم ويحب الإسلام ويجتنب الكبائر (على افتراض أن التقصير فيما مضى ليس من الكبائر) ...وبالتالي فإن الله تعالى لم يحرمه ولم يعاقبه في دينه على تقصيره.

يغفل هذا المسكين عن حرمانٍ كبيرٍ هو واقع فيه!

قد كان يمكن له أن يكون "شيئاً مؤثراً" في تاريخ البشرية...قد كان يمكن له/لها أن يكون من أنصار الله تعالى في أرضه، يحيي في كل يومٍ سنةً ويُمِيت فتنة ويرد شبهة ويقمع باطلا ويوقظ غافلا ويقرب بعيدا وينشر هُدىً ويحيي نفوسا أماتها الجهل والهوى...

قد كان يمكن له أن يَذْكُره الله في الملأ الأعلى ويحتفي به أهل السماء لـِمَا يرونه من نصرته لله تعالى ومحبة الله له.

قد كان يمكن له أن يكون من السابقين الصديقين المقربين...

قد كان يمكن له أن يكون من الذين يدخلون الجنة من غير حساب ولا عذاب...

قد كان يمكن له أن يكون علامةً فارقةً في التاريخ، وأن يكتب الله لجهده قبولا وأثرا مباركا إلى يوم الدين...

قد كان يمكن له هذا كله...لكنه رضي بما دونه، بل لم تخطر بباله هذه المعالي أصلاً، أو خطرَتْ فترةً ثم نسيها!...وبقي سنواتٍ يصارع التأخر عن صلاة الفجر، وشهوة الإكثار من الطعام وما يتبعه من كسل ونوم، والفتنة بالزميلات في الدراسة أو العمل!

بينما غيره ينصرُ الله به الدين ويرتفع درجات في عليين وتحل عليه إلى الأبد مرضاةُ رب العالمين...وقد حجز مقعده في الفردوس الأعلى...

إنْ لم يكن هذا هو الحرمان فما الحرمان؟! وإن لم تكن تلك عقوبة فما العقوبة؟!

قد يدخل الجنة في النهاية، لكن بعد مرارة الإحساس بالغُبْنِ في اليوم الذي سماه الله تعالى (يوم التغابن) ...اليوم الذي يندم فيه المسيء على إساءته، ويندم المحسن أن لم يزد إحسانا.

هناك آفاق عظيمة تنتظرك...فلا تحجبك عنها الغفلات.

هناك لذات عُلْوية، فلا ترضَ بها بديلاً.

هناك مقامات عالية، فلا تَقْنَعْ بالدون.

والعمر قصير، فلا يغررك طول الأمل.

يا رب تدارَكْنا برحمتك قبل أن نندم.

د. إياد قنيبي

x