مسجد (الأبرار) في مدينة بيروالا بجمهورية سريلانكا.
أ.د.فؤاد البنا
مسجد الأبرار واحد من ٨٤٠ مسجدا ترفع كلمة التوحيد ويؤمها المسلمون في أنحاء سيريلانكا ذات الأكثرية البوذية، وتتراوح بين القديم والجديد وتتوزع بين الكبير والصغير. يقع المسجد في طريق عبد القادر عالم في مدينة بيروالا التي تقع في شرق سريلانكا.
ويسود اعتقاد واسع بأنه أقدم مساجد سريلانكا، إذ بني عام ٩٢٠م على يد العرب الذين قدموا للتجارة والدعوة إلى الله، وهذا يعني أن عمره يزيد عن ١١٠٠ سنة!
وقد مر خلال هذه القرون بإصلاحات وتوسيعات عديدة، مع قليل من الاهتمام بالحفاظ على الجوانب التاريخية للهيكل الذي بني قبل ١١ قرنا. وفي العصر الحديث تم دعم السقف بأعمدة دائرية كبيرة سنة ١٨٩٣م، لكنها هُدمت في عام ١٩٨٦ عندما خضع المسجد لعملية تجديد وتوسعة كبيرة.
وبعد هذه التوسعة أصبح بإمكانه استيعاب أكثر من ثلاثة آلاف مصلّ.
أو من الواضح أن المسجد ليس مجرد معلم أثري بل هو تحفة فنية حقيقية؛ إذ يمتلك الكثير من الملامح الجمالية، ومنها هيكله الأبيض بطابقيه الجميلين وما يزدان به من قباب ومنارات صغيرة وكبيرة وما يزخر به من نقوش وزخارف، ومنها فناؤه الكبير الذين يتزين ببركة الوضوء الضخمة أمامه والتي تم تصميمها بصورة جميلة بحيث تمتلك عددا من المساتر لمن أراد الاغتسال بعيدا عن الأعين، ويزيدها جمالا ما يحف بها من أزهار وأشجار ومنها شجرة النخيل، هذا بجانب الجمال الداخلي الهادئ للمسجد بعيدا عن التكلف والتعقيد، والمنبر الأبيض الذي ينتصب كتحفة جمالية بأعمدته الاسطوانية الجذابة ودرجاته الثلاث التي تتأسى بمنبر النبي صلى الله عليه وسلم، وقبته المزينة بزخارف ذهبية رائعة!
وبسبب القيمة الأثرية والجمالية للمسجد فقد تم وضع صورة له على طابعين تذكاريين في ٨ يونيو ٢٠٠٣م، ونشرتهما دائرة البريد في سريلانكا بمناسبة نشأة أول مجتمع إسلامي فيها.
ونختم بقصة د. صهيب عالِم التي تكشف عن بصمات اليمنيين في كل مكان، فقد ذهب في رحلة علمية من إحدى الجامعات الهندية إلى جامعة في شرق سريلانكا، وهناك جذَبت انتباهه لوحةٌ كبيرة ثُبتت عند مدخل المدينة، وقد كُتب عليها باللّغة العربيّة: "عائلة قحطان ترحِّب بكم في هذه المدينة"، ورأى بعض أشجار النخيل خلال المرور بهذه المنطقة. فاستفسر دليله في السفر عن خلفيّة هذه اللّوحة الكبيرة المكتوبة باللّغة العربيّة وأشجار النخيل، فقال له: "إنّ هذه المدينة تُعرف بـ"مدينة قحطان" في سريلانكا، وتُدْعى باسم "كاتانكودي" محليّاً، ويشتغل معظم سكّانها بالأعمال التجاريّة والصناعات وصَيد الأسماك، وهي تابعة للمُحافظة الشرقيّة في منطقة باتيكالوا وتبعد حوالي ٣٣٩ كيلومتراً عن العاصمة السريلانكيّة كولومبو، وسُميِّت هذه المدينة إشارة إلى القبيلة العربيّة الشهيرة من شبه الجزيرة العربيّة التي نزلت في هذه البلدة. فقد تزوَّج العديدُ من الرجال القحطانيّين الذين جاءوا لمُزاوَلة أعمالهم التجاريّة بنساء هذه المدينة، وبالتالي حصلت على اسمها نسبةً إليهم. وإنّ هذه الأشجار من النخيل جَلَبها التجّار العرب معهم فزرعوها هُنا، ولا توجدُ أشجارُ نخيل في كلّ المناطق الأخرى من سريلانكا"!