الإمام العلامه يوسف القرضاوي  بين الإنصاف والجحود

الإمام العلامه يوسف القرضاوي بين الإنصاف والجحود



في عام ١٩٦٠م أصدر الشيخ القرضاوي كتابه "الحلال والحرام في الإسلام " وقد أثار الكتاب وقتها ضجة كبيرة بل تم منعه من النشر في بعض البلدان العربية كالسعودية بسبب الآراء الفقهية التي خالف فيها القرضاوي أقوال التيار السلفي في قضايا عديدة ، فرأى عدم الحرمة المطلقة للموسيقى والتصوير وعدم وجوب النقاب وغيرها من المسائل الخلافية التي ساق فيها الأدلة على رأيه واجتهد في استخلاص الفتوى .!*

*وعلى جانب آخر لاقى الكتاب حفاوة كبيرة لدى آخرين باعتباره يمثل فكرًا وسطياً مستندًا لأدلة فقهية ، بل أصبح الكتاب مرجعًا أساسيًا للإفتاء في بعض الدول إلى يومنا هذا كماليزيا وإندونسيا وباكستان ...*

*وفي مصر أطلق فريق من السلفيين حملة هجوم على القرضاوي ، وصاروا يسمون كتابه "الحلال والحلال" بدلاً من "الحلال والحرام" على اعتبار أن الشيخ قد أحل فيه كل شيء (كما زعموا)..*

*ثم دار الزمان وصارت اليوم آراء القرضاوي تُمثل الوسطية والاعتدال عند كثير من الناس ، بل أصبحت آراءه مرجعية أساسية في فتاوى الأزهر لكن لا أحد ينسبها للقرضاوي .! بل أصبح يوصف بأنه متطرف فقط بسبب الخصومة السياسية بينه وبين العديد من الحكومات العربية..*

*ولو نحينا تلك الخصومة جانبًا وافترضنا أن القرضاوي كان في صف الحكام لكانت الشاشات اليوم تحتفي بآراء القرضاوي، وترفع اسمه كعلامة على الفكر المتفتح (ولشيخ الأزهر نفسه حوار قديم يقول فيه : وقد أفتى العلامة القرضاوي بكذا وكذا)..*

*يشهد الله أنني أشفق على سذاجة وجهل الشباب الذين سلموا عقولهم بإرادتهم لبضعة أشخاصٍ يظهرون على الشاشات ليشيطنوا كل من يهدد بقاءهم ويقولون لهم إن القرضاوي متطرف ومتشدد .! يا من تستقي معلوماتك من الإعلام اقرأ للقرضاوي ولا تقرأ عن القرضاوي ، فالتشدد والقرضاوي نقيضان لا يجتمعان …*

*وأنت أيها الشاب الذي يرى أن القرضاوي كان سبباً في تمييع الدين ، لن أناقشك الآن وليس المقام مقام جدال ، ولكن لا عليك .!* *اترك فتاويه واتبع فتاوى غيره من العلماء ، لكن التزم الأدب خصوصاً في مقام الموت ،*

*وأعلم أن اختلاف العلماء رحمة لتتبع من شئت منهم دون أن تخوض فيهم ، فدع العلماء يختلفون وخذ رأي من شئت ودع من شئت بكل أدب فأنت في حضرة العلماء …*

*القرضاوي الذي مات في أجتمع عليه دعاة العلمانية الذي يرون آراءه متشددة ، وقطاع من السلفية يرون أنه قد كان سبباً في تمييع الشريعة ، والحكومات التي تكرهه لمواقفه من الحكام العرب ، والغرب الذي يبغضه لقوة تأثيره ، والإعلام الذي يشوهه حتى بعد موته ، والجهلاء الذين يرددون كلام الإعلام ..!*

*القرضاوي الذي يتطاول عليه الجهلاء هو عالم أزهري لا يعرف قدره إلا العقلاء ؛ رحل تاركاً خلفه ١٢٠ مؤلفًا بخلاف البحوث والرسائل الجامعية والمحاضرات والمؤتمرات ، وكان له السبق في الحديث عن فقه الأقليات المسلمة في الغرب ، وكتبه مترجمة إلى عشرات اللغات ، والأزهر يستند لآرائه حتى يومنا هذا (دون ذكر اسمه) …*

*وإن من الحسرة في هذا الزمن ألا يدرك الناس أن موت العلماء مصيبة ، فقد أخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم أن الله لا يقبض العلم انتزاعًا وإنما يقبضه بموت العلماء، فكلما مات عالم رُفع من العلم جزءٌ ، كلما مات عالم انطفأ مصباح من المصابيح التي تضيء لنا الطريق ، وهكذا حتى تقوم الساعة في الظلام الدامس على شرار الناس حيث لا علماء ولا علم ...*

*فالعاقل ينبغي أن ينقبض قلبه عند سماع خبر وفاة عالم أو موت رجل صالح ؛ فإن رحيلهم عنا فقد لأسباب البركة ، وقد كان الحسن البصري يقول :* *أحبوا أهل العلم فإن لم تحبوهم فلا تبغضوهم ..*

*وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: [إنَّ العالِم لَيستغفِرُ له مَن في السَّماوات ومَن في الأرض والحيتان في جوف الماء ].* *وقال - صلى الله عليه وسلم -: [ ليس منَّا مَن لم يجلَّ كبيرَنا ، ويرحَمْ صغيرَنا، ويَعرِفْ لعالِمِنا حقَّه ]..*

*فاللهم ارحم عبدك القرضاوي واغفر له ، واجعل ما قدمه في ميزان حسناته .*

x