هل الإنفتاح يعني التفاهة مقال للدكتور فؤاد البنا

هل الإنفتاح يعني التفاهة مقال للدكتور فؤاد البنا



هل الانفتاح يعني التفاهة؟!

أ.د.فؤاد البنا

من أغرب الأمور التي أثارت استيائي في مجتمعاتنا المحافظة، قيام مجموعات من الذين عرفهم الناس خلال سنوات الماضي بالصلاح والتدين، قيامهم بالتدحرج في مزالق التفاهة تحت عناوين الاعتدال والانفتاح والتطور؛ حيث وجدنا هؤلاء في وسائل التواصل الاجتماعي يقولون ما يقوله التافهون، ويفعلون بعض ما يفعله من كانوا يعيبونهم بالأمس!

وللأمانة فإن بعض هؤلاء لا يقولون ما يقوله التافهون ولا يفعلون أفاعيلهم السخيفة، لكنهم يبتهجون بما يصدر عن التافهين من أقوال ويشجعون ما يجترحون من أفعال حقيرة تحت مسميات عديدة، ويظهر ذلك من خلال إعجاباتهم وتعليقاتهم المشجعة لهم على التمادي في التفاهة والتماهي مع الباطل، ولا سيما إذا كان التافه صاحب يراع متميز أو أنثى جميلة أو صاحب جاه أو مال، أو ذا متابعين كثيرين، حيث يعلق الواحد من هؤلاء بطريقة تستهدف خطب ودّهم واستثارة إعجابهم ولتذهب القيم إلى الجحيم!

ومع طول المدى يتم استمراء هذا الأمر، فتنمحي الفروق بين التفاهة المثيرة وبين الإبداع المتميز وقد تصبح ضعيفة أو شكلية، ويصل الحال إلى درجة يبدو الانفتاح عند المشاهدين لهؤلاء كأنه مرادف للتفاهة!

ومن كثرة الذين سقطوا في فخ التفاهة تحت دعاوى الانفتاح صرت أعذر الجامدين إلى حد ما عند هجومهم على الاعتدال وتحذيرهم من المنفتحين، ولم أعد أستغرب كثيرا من تشددهم في قضايا خلافية وتبنيهم لما أسميه بفقه الطوارئ وهو الذي يسميه الفقهاء بسد الذرائع، فهناك من يوفرون لهم براهين واقعية على أن الانفتاح أسرع طريق إلى التفاهة؛ مثل من يبدأ باستخدام الموسيقى في خدمة أغاني محترمة، لكنه مع الأيام يذهب إلى محاكاة أهل الفن العفن، ثم يظل يهبط ويهبط حتى نعجز بعد فترة عن رؤية الفارق بين إنتاجه وبين الفن الهابط!

وهناك من المتدينين من استخدموا الطفلات في الرقص على إيقاعات الأناشيد الهادفة، بحجة اجتذاب الأطفال من أجل بناء وعيهم وتنمية وجدانهم، من باب منافسة الفن الهابط واجتذاب المتابعين للمشاهدة، ثم كبرت هؤلاء الطفلات وصرن بالغات وربما ذوات جمال صارخ، لكن بعضهن لم يتوقفن عن إبراز مفاتنهن، بل وصرن نجمات مجتمع يطاردهن المعجبون ويبرزهن الإعلام بصورة لا تختلف كثيرا عن كواكب الإغواء الهابط، ومع الأيام تجد منهن من تظهر بصورة مغرية لتجتذب المزيد من المشاهدات والإعجابات!

ومرة أخرى أسأل: هل صار الانفتاح في لغة عرب عصرنا مرادفا للتفاهة؟! ألا يمكن أن يبقى المرء منفتحا مع اعتزازه بقيمه وعدم تخليه عن أخلاقه؟ ألا يفرق هؤلاء بين ما هو أصول ومعلوم من الدين بالضرورة ينبغي العض عليه بالنواجذ، وبين ما هو فروع يجوز تغييرها ووسائل ينبغي تطويرها؟

ألا يمكن أن يبقى المرء وسطا بين الجامدين والجاحدين، بحيث ينفتح في المتغيرات الفروعية والوسائل دون أن يفرط بالثوابت والمقاصد؟!

x