مسجد عمر بن عبد العزيز في قرية ذي يشرق بمحافظة إب في الجمهورية اليمنية ٤

مسجد عمر بن عبد العزيز في قرية ذي يشرق بمحافظة إب في الجمهورية اليمنية ٤



#مسجد (عمر بن عبدالعزيز) في قرية ذي يشرق بمحافظة إب في الجمهورية اليمنية.

أ.د.فؤاد البنا

يقع هذا المسجد على تل مرتفع في قلب قرية ذي يشرق، وهي قرية حميرية وهجرة من هجر العلم، وتقع في غرب وادي نخلان الواقع في مديرية السياني، بمحافظة إب الأكثر جمالا في اليمن.

يعود تأريخه إلى عهد الخليفة الأموي عمر بن عبد العزيز، وبالذات إلى سنة ٩٩هجرية. وقد أورد المؤرخ نجد الدين عمارة أنه كان يوجد في الواجهة إفريز من الحجر يقول نصه: "هذا المسجد مما أمر به عمر بن عبدالعزيز بن مروان"، وقد أكد لي هذا الأمر المؤرخ المعاصر أ. عبدالملك الشيباني رحمه الله. ومن هنا جاءت تسميته باسم الخليفة الأموي عمر بن عبد العزيز.

وما من شك في أن المسجد لم يظل على عهده الأول، ويبدو أن أصل تخطيطه الحالي مع بعض العناصر الزخرفية الموجودة فيه ترجع إلى القرن الخامس الهجري، رغم ما اعتراه من تجديد أو إضافة في عصور متعددة. ويؤكد عديدون أن تجديد عمارته كان بأمر من الحسين بن سلامة الذي كان أميرا على الدولة الزيادية في زبيد، وترك مساجد ومدارس كثيرة في أنحاء مختلفة من اليمن.

تم تخطيط المسجد على شكل مستطيل، وتطل واجهته الرئيسية على الناحية الجنوبية، ويتكون من صرح مكشوف وتحيط به ثلاثة أروقة، أعمقها رواق القبلة الذي يعد المصلى الأساسي وفيه المحراب والمنبر، ومساحته تصل إلى ٤٨٦م٢، ويتميز بكثافة نقوشه وزخارفه ولا سيما السقف الذي يزخر بلوحات فنية من فن الأرابيسك التي ظلت تدهشني كلما رأيتها في صلواتي المتعددة لهذا المسجد الذي يتصاعد منه عبق التأريخ لكن غبار الزمن غطى على رونقه المشرق وشوهته التدخلات التجديدية من قبل من لا خبرة لهم بهذا الأمر!

ويوجد ضمن سور المسجد فناء غير واسع، ويتضمن من الجهة الجنوبية بركة عميقة وعريضة كانت تستخدم للوضوء ولتعليم الصغار السباحة، وفي جوار السور توجد بقايا غرف صغيرة اختلفت الروايات حولها، فمن قائل إنها كانت دورات مياه، ومن قال إنها بقايا صفوف دراسية عندما كانت تزدهر هنا مدرسة علمية وكانت هذه القرية هجرة من هجر العلم التي يقصدها طلاب العلم ومشائخه، وعلى رأسهم أبرز علماء المذهب الشافعي في اليمن، وهو ابن أبي الخير العمراني الذي درّس في هذه المدرسة ردحا من الزمن ولم يخرج منها إلا مكرها بعد ما ناله الأذى، وقد ولد في صهبان وهي من أعمال نفس المديرية، وتوفي في قرية من قرى مديرية ذي السفال المجاورة وقبر هناك!

ويتضمن المسجد مكتبة تضم عددا من المخطوطات القيمة في عدد من العلوم، وكانت قد تعرضت لحريق في نوفمبر ٢٠١٠م قيل إنه بسبب مس كهربائي ولا ندري إلى أي مدى تضررت المكتبة، لكني على ثقة أن المخطوطات لم تصب لأن بعض وجهاء القرية أخبروني قبل الحادثة بسنوات أن أحدهم يحتفظ بتلك المخطوطات في بيته خوفا عليها من السرقة!

للمسجد مئذنتان إحداهما في الناحية الشمالية ويبدو أنها أقدم وقد تعرضت للهدم أو السقوط، وبقي فوق مستوى سطح المسجد ما يساوي ثلث المئذنة السليمة، وكنت سمعت بعض أهالي القرية يقولون إنها تعرضت للقصف من قبل القوات العثمانية أثناء إحدى المواجهات لكن لم أجد برهانا على صدق هذه الرواية!

وتقع المئذنة الأخرى في الناحية الجنوبية، وهي ذات ارتفاع شاهق يبلغ أكثر من ٣٠م، ويمكن مشاهدتها من مسافة بعيدة، وتبدأ من أسفل بقاعدة غير منتظمة الشكل، يرتكز عليها بدن مرتفع، وتستدق استدارته كلما صعدنا إلى أعلى، وهي مثال للمآذن الأنيقة بسبب كثافة نقوشها ودقة مقرنصاتها الموجودة تحت شرفتها الباذخة الجمال والتي يمكن من خلالها الإطلال على وادي نخلان الساحر وقرية دمنة نخلان كبرى قرى الوادي، وللأسف فإن شعارات الحوثيين قد شوهتها كما تظهر الصور الأخيرة للمسجد!

ومما يجدر ذكره أن المسجد يمتلك أراضي زراعية كثيرة في الوادي الخصيب، أوقفها أصحابها في عهود عديدة لصالح المسجد لكنه لم يستفد منها شيئا، مثلما لم تمتد له يد الدولة خلال العهود الماضية، ويبدو أنه أبرز مثال للعبارة التي تقول: "جوهرة بيد فحّامين"!

x