حكم إعلان حماس للجهاد

حكم إعلان حماس للجهاد



حكم إعلان حماس للجهاد)

🖊 أ. د. عبد الرحمن الخميسي

📝 الحمدلله، والصلاة، والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه أجمعين، أما بعد:

فيتساءل البعض عن حكم ماأقدمت عليه حماس " حركة المقاومة الإسلامية" في غزة من إعلان الجهاد في سبيل الله تعالى على دولة إسرائيل اليهودية المحتلة الغاصبة لأرض فلسطين والمسجد الأقصى في يوم السبت الثاني والعشرين من شهر ربيع الأول لعام1445هجرية الموافق للسابع من شهر أكتوبرلعام2023م

مع علمها بتفوق عدوها عليها في العدة، والعتاد، جواً، وبراً، وبحراً، بما لامقارنة ولا في أدناها بينهم وبين عدوهم في ذلك، ومع علمها بتأييد الدول الكبرى لعدوها وعلى رأسهم أميركا، وبريطانيا، وجميع الدول الأوروبية، ومع علمها كذلك بخذلان المسلمين لها وفي مقدمتهم الدول العربية المحيطة بها مصر، وسوريا، ولبنان، والأردن، وضعف الشعوب الإسلامية عن نصرتها؟ وبأن هذا الذي أقدمت عليه إنما هو من إلقاء النفس في التهلكة، ومن قتل النفس بغير حق، ومن التسبب في قتل الآلاف من الأنفس المسلمة البريئة في غزة وتشريدها وحصارها؟

وأجيب عن هذا التساؤلات في مسائل عدة:

📌 الأولى: لايختلف المسلمون فيما بينهم بأن الجهاد في سبيل الله تعالى من أعظم الأعمال الصالحة، وأحبها إلى الله تعالى، وأن من نال الشهادة في سبيله فقد فاز بالسعادة الحقيقية، والحياة الأخروية الأبدية، قال تعالى( ولاتحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون فرحين بما آتاهم الله من فضله ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم ألا خوف عليهم ولاهم يحزنون) آل عمران١٦٩-١٧٠، وقال( لايستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر والمجاهدون في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم فضل الله المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين درجة وكلا وعد الله الحسنى وفضل الله المجاهدين على القاعدين أجراً عظيما) النساء٩٥.

وثبت في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سئل أي الأعمال أفضل؟ فقال: إيمان بالله ورسوله، قيل: ثم أي؟ قال: ثم الجهاد في سبيل الله" قيل ثم أي؟ قال" ثم حج مبرور"

📌 الثانية: أن الجهاد فرض كفاية، أو فرض في الجملة كما دلت عليه نصوص القرآن، والسنة، وكتب أهل العلم، وذلك في قوله تعالى( كتب عليكم القتال وهو كره لكم) البقرة٢١٦، وقوله( انفروا خفافا وثقالا وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم في سبيل الله) التوبة٤١، وفي قول النبي صلى الله عليه وسلم " من مات ولم يغز، ولم يحدث نفسه بالغزو مات على شعبة من نفاق"

ومعنى كون الجهاد فرض كفاية أنه إذا قام به بعض الأمة سقط الإثم عن الآخرين، وحماس بإعلانها الجهاد قد أسقطت الإثم عن سائر الأمة بذلك، إلا أنه لعظم قوة عدوها عدداً وعدة، ولعدم قدرتها بنفسها على دفعه تماما، ولتكالب الأمم الكافرة عليها من كل حدب وصوب، وإعلانهم الوقوف والتأييد والمؤازرة للعدو ماديا، ومعنويا، وعسكريا، فيكون الجهاد معها ونصرتها فرض عين ويتأكد ذلك في حق أقرب الناس إليها في مصر، وسوريا، والأردن، ولبنان، فإن لم يتم ذلك فيتسع الحكم فيمن بعدهم، إلى أن يشمل جميع الأمة ممن يقدر على نصرتهم، وهو الحكم الذي لامرية فيه الآن.

📌 الثالثة: أن الله تعالى أمر بإعداد القوة المستطاع عليها لمجاهدة الكفار، ولم يأمر بالتكافؤ في القوة أبداً مع الأعداء قال تعالى( وأعدوا لهم مااستطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم) الأنفال٦٠،وفسر النبي صلى الله عليه وسلم القوة بالرمي كما في مسلم.

وهو هدي النبي صلى الله عليه وسلم في جهاده مع الكفار في جميع المعارك التي خاضها ضدهم في بدر، وأحد، والخندق، ومؤتة، وغيرها فقد كان صلى الله عليه وسلم يُعد من القوة العددية والعتاد مااستطاع عليه ففي بدر كان عددهم 314 رجلا، والمشركين ألفا، وفي أحد كان عدد المسلمين 700، والمشركين ثلاثة آلاف، وفي الخندق ويقال لها" الأحزاب" كان عدد المشركين 10000 آلاف، والمسلمين 3000 آلاف، وفي مؤتة التي كانت خارج الجزيرة ولم يخرج فيها النبي صلى الله عليه وسلم كان عدد جيش المسلمين 3000 آلاف وجيش الروم 200000 مقاتل.

فلاحرج إذن في عدم التكافؤ، بل إن الله تعالى حرم فرار الواحد أمام الاثنين، والاثنين أمام الأربعة، والألف أمام الألفين، مع عدم التكافؤ بينهم.

وقد أعدت حركة حماس القوة التي استطاعت عليها في حربها ضد عدوها من صواريخ مختلفة، تصل إلى أبعد نقطة في الأراضي المحتلة، ومن طائرات مسيرة، وأسلحة أخرى متوسطة، وخفيفة، وجيش مسلم قوي مدرب هدفه النصر، أو الشهادة لاغير.

وقد أثبتت هذه القوة فاعليتها بحمد الله في معركة طوفان الأقصى فالقتلى من اليهود إلى هذا اليوم الأربعاء11 أكتوبر وهو اليوم الخامس لطوفان الأقصى المعلن عنهم رسميا من قبل العدو أكثر من 1200 قتيل، والجرحى مايقارب3000، والمفقودون أكثرمن 350، في حين تشير الإحصائيات المسربة شبه الرسمية إلى أن الأعداد من تلك الأرقام أكثر من ذلك بكثير.

📌 الرابعة: أن جهاد الكفار بعدد قليل، وقوة قليلة، والانغماس في صفوف الكفار مع الظن الكبير للهلاك ليس هو من قتل النفس بغير حق، ولا من الإلقاء باليد إلى التهلكة، بل هو من الجهاد في سبيل الله، ومن الأمور التي يحبها الله تعالى من عبده، بل وحث عليها،وقد رأينا فيما سبق قلة أعداد المسلمين في جميع المعارك التي لاقوا فيها عدوهم في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وكانوا بنسبة واحد إلى ثلاثة، وواحد إلى ستين كما في معركة مؤتة، وبعث النبي صلى الله عليه وسلم بعثين في أعداد قليلة لدعوة المشركين فغدروا بهم وقتلوهم عن آخرهم وهما بعث الرجيع وكانوا عشرة، وبعث بئر معونة وكانوا سبعين من خيار المسلمين وفضلائهم وقرائهم، وفي بدر انغمس عمير بن الحمام في المشركين حتى قتل بعد أن سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: قوموا إلى جنة عرضها السموات والأرض، وروي في السيرة أن عوف بن الحارث- وهو ابن عفراء- سأله فقال يارسول الله مايضحك الرب من عبده؟ قال غمسه يده في العدو حاسرا، فنزع درعا كانت عليه فقذفها ثم أخذ سيفه فقاتل القوم حتى قتل، وفي غزوة أُحد لما انكشف المسلمون قال أنس بن النضر اللهم إني أبرأ إليك مما صنع هؤلاء يعني المشركين، وأعتذر إليك مما صنع هؤلاء يعني المسلمين ثم انغمس في العدو فقاتلهم حتى قتل ووجد به أكثر من ثمانين ضربةً مابين ضربة بسيف. وطعنة برمح، ورمية بسهم.

وفي القسطنطينية حمل رجل من المهاجرين على صف العدو حتى خرقه فقال ناس: ألقى بيده في التهلكة فقال أبوأيوب: نحن أعلم بهذه الآية إنما نزلت فينا، صحبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وشهدنا معه المشاهد ونصرناه، فلما فشا الإسلام وظهر، اجتمعنا معشر الأنصار نجيا فقلنا قد أكرمنا الله بصحبة نبيه صلى الله عليه وسلم ونصره حتى فشا الإسلام، وكثر أهله، وكنا قد آثرناه على الأهلين والأموال والأولاد، وقد وضعت الحرب أوزارها، فنرجع إلى أهلينا، وأولادنا، فنقيم فيهما فنزل فينا( ولاتلقوا بأيديكم إلى التهلكة) فكانت التهلكة في الإقامة في الأهل والمال وترك الجهاد. رواه أبوداود والترمذي وغيرهما.

📌 الخامسة: نقول للعدو من الكفار على اختلاف مللهم وعلى رأسهم أمريكا، وأوروبا لايضيرنا اجتماعكم على حرب إخواننا المسلمين في غزة، وتأييدكم لعدوها المحتل بالسلاح والمال، والرجال، والسياسة، فالكفر ملة واحدة، وإسرائيل هي أنتم ، وأنتم إسرائيل، لافرق.ولعل الله أن يريكم من المجاهدين في غزة مايكبتكم ويخزيكم، ويشف صدور المؤمنين.

ونقول لعملائكم من حكام المسلمين لقد بؤتم بخزي الدنيا، وعار لاتمحوه السنون، ولعنات تلاحقكم إلى قبوركم،وحكم لايفارقكم حتى تعودوا إلى دينكم( ومن يتولهم منكم فإنه منهم) المائدة٥١

واعلموا أن المجاهدين في غزة لم يقدموا على ماأقدموا عليه إلا إعلاءً لكلمة الله، ونصرةً لإخوانهم المسلمين المستضعفين في الأراضي المحتلة، ودفاعا عن المسجد الأقصى، رافعين شعار" النصر، أو الشهادة" قد باعوا أنفسهم من الله تعالى بموجب الصفقة التي عقدوها معه( إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون وعداً عليه حقا في التوراة والإنجيل والقرآن ومن أوفى بعهده من الله فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم به وذلك هو الفوز العظيم) التوبة١١١

📌 وأخيراً، فإن أقل الواجب الذي يتوجب على الحكام المسلمين ممن بعد جغرافيا عن أهل غزة هو نصرتهم سياسيا، والوقوف معهم، وتأييدهم، والمطالبة بإيقاف الحرب عليهم، وإرسال المساعدات الإنسانية إليهم، وقطع العلاقات الدبملوماسية مع الدول التي تؤيد العدو المحتل أو التهديد بقطعها في حال استمرار تأييدهم لها.

والله من وراء القصد، وهو حسبنا ونعم الوكيل( وإن ينصركم الله فلاغالب لكم) والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

x