المسجد الجامع في بلدة نجد الجماعي بمحافظة إب في الجمهورية اليمنية ٣

المسجد الجامع في بلدة نجد الجماعي بمحافظة إب في الجمهورية اليمنية ٣



#(المسجد الجامع) في بلدة نجد الجماعي بمحافظة إب في الجمهورية اليمنية.

أ.د.فؤاد البنا

يستوطن هذا المسجد مكانا مرتفعا بين الجبل الشامخ والوادي السحيق، ويقف على شكل مستطيل فوق أرض صخرية شديدة الصلابة، وذلك في بلدة تسمى نجد الجماعي وهي مركز مديرية السبرة التابعة لمحافظة إب في وسط اليمن، وسمي بالمسجد الجامع لأنه الوحيد الذي كانت تقام فيه صلاة الجمعة.

يمتلك هذا المسجد قيمة تاريخية وجمالية كبيرة؛ فهو على قدر كبير من العراقة إذ يعود تأسيسه إلى سنة ١٠٤٥ هجرية أي أن عمره قد وصل إلى أربعة قرون، وتؤكد مصادر تأريخية عديدة أن من بناه هما عالمان من أبناء المنطقة وهما الشيخ أحمد عبد الباقي الجماعي والشيخ أحمد بن عامر الجماعي، وبلقب أسرة هذين العالمين اكتسبت هذه البلدة اسمها (نجد الجماعي) وصارت من هجر العلم التي يقصدها الباحثون عن التعلم!

ورغم غبار الأيام وتجاعيد الزمن البادية على مبنى المسجد، في ظل الإهمال الذي يلقاه كل شيء جميل وتليد في اليمن، فما زال المبنى الأبيض يمتلك نصيبا وافرا من الجمال الأخّاذ الذي تضافرت على صناعته عدد من العوامل، وأهمها اثنان:

الأول: العدد الكبير من القباب البيضاء التي يبلغ عددها ١٥ قبة متوسطة الحجم غير القبة الكبيرة في المبنى الآخر، وتتخذ شكل نصف البيضة وتزدحم بصورة جذابة في سطح المسجد ببنائها المتقن ونقوشها الجميلة، وللعلم فإن هذه القباب ترتكز على اثنين وعشرين عقداً حجرياً، وتقوم بتحمل ثقل هذه العقود ثمانية أعمدة متينة تم تشييدها من الأحجار الصلبة والمبنية بطريقة محكمة، ويبلغ ارتفاع كل عمود منها حوالي ستة أمتار.

الثاني: المئذنة الرائعة التي يزدان بها، وهي تبسق في جو السماء وكأنها تطاول جبال المنطقة، حيث تتكون من عدة طوابق وتتزين بشرفة واحدة في الأعلى، وتكتسي بنقوش تم حفرها في قوامها الذي يجمع بين السماكة المتميزة والجمال الأخّاذ وبصورة تشبه المقرنصات، ويتم الصعود إلى شرفتها في الأعلى عبر سُلم حجري يصعد بشكل حلزوني من أرضية المسجد إلى شرفة المنارة التي كان يقف عليها المؤذن عند رفع الأذان.

ولا شك بأن الرصيد الجمالي للمسجد يرتفع بصورة أكبر؛ بفضل بياض هيكله الكبير، واستيطانه لمنطقة تغلب عليها الخضرة وخاصة في فصل الصيف؛ إذ تنتمي إلى أجمل محافظات اليمن وهي محافظة إب التي تلقب بالخضراء!

ينقسم المصلى الرئيسي إلى خمسة أروقة للصلاة ولا يفصل بينها إلا الأعمدة الأنيقة، وفي وسط مقدمة المبنى يرتفع محراب جذاب وعن يمينه يقع المنبر، وقد تم تزيينهما بالنقوش والزخارف الجميلة وبالآيات القرآنية التي جرى نسجها بخط عربي رائع، وللأسف فإن الذين قاموا بصيانة المسجد من غير علم ولا خبرة قد أساؤوا للمسجد أكثر مما أحسنوا!

ومن أجل انسياب حركة الخروج من المسجد فإنه يمتلك ثلاثة أبواب، ويقع البابان الرئيسيان في جهتي الشرق والجنوب.

ويمتلك المسجد فناء لا بأس به، وكان هذا الفناء محمياً عبر سور حجري قديم، لكنه تعرض للهدم من جهة الشارع حينما مرت طريق إسفلتي من جانبه!

ويوجد في هذا الفناء مبنيان تعلوهما قبتان إحداهما أكبر من الأخرى، ويضم كل واحد منهما ضريحا لأحد الصالحين، وتوجد في الجهة الجنوبية للمسجد بركة المياه التي كان يتوضأ فيها الناس، ويتم النزول إليها عبر درج منحوت، ولأن الأرض صخرية كما أسلفنا، فقد جرى حفرها في الصخر وبعمق مترين تقريباً.

يعد المسجد مَعلم تأريخي مهم لكنه مثل كثير من التحف التأريخية في هذا البلد الذي يمكن القول بأنه جوهرة ولكن بيد فحّامين!

x