مسجد السلطان إبراهيم بن أدهم في مدينة جبلة بالجمهورية العربية السورية ٤

مسجد السلطان إبراهيم بن أدهم في مدينة جبلة بالجمهورية العربية السورية ٤



#مسجد (السلطان إبراهيم بن أدهم) في مدينة جبلة بالجمهورية العربية السورية.

أ.د.فؤاد البنا

يقع هذا المسجد في الشمال الشرقي من مدينة جبلة التي تتبع محافظة اللاذقية، ويعتبر الحد الشمالي الشرقي للمدينة العتيقة وبداية المدينة الحديثة.

سمي باسم السلطان ابراهيم بن أدهم الذي يعتبر من أساطين الزهد في التأريخ الإسلامي، وكان قد ولد في مدينة بلخ بأفغانستان من أم أفغانية وأب عربي، ولما كانت أمه بنت الملك فقد تسببت عدد من الظروف في اعتلائه للعرش، لكن سجاياه الزهدية جعلته يتخيل أنه يسمع نداءات تحثه على ترك الملك، فاستجاب بسرعة لتلك النداءات وعاش حياة التقشف، وصار من رموز التصوف السني وتجول في عدة بلاد آخرها سورية، وكأنه وجد ضالته في مدينة جبلة فأقام فيها وبنى نواة هذا المسجد بشكل متواضع على عادته في الزهد، وظل فيها حتى توفي ودفن في هذا المكان.

ومن ثم فإن عمر النسخة الأولى من المسجد يزيد عن أكثر من ١٣٠٠ عاما، وعبر هذه القرون ظل المسجد علامةً لهذه المدينة، مثلما أن المسجد الأموي علامة مميزة لمدينة دمشق!

وبعد موت سلطان الزاهدين قام محبوه ببناء مسجد أكبر وسموه باسمه، ومر هذا المسجد بأطوار عديدة طيلة قرون، وتشير كتابات موجودة داخل المسجد إلى تطوير مبناه في العصر المملوكي ثم في العصر العثماني ليترك كل عصر وفن بصمتَه فيه، وفي العصر الحديث تعرضت مئذنته العالية لصاعقة تسببت في هدمها عام ١٩٧٤م، فأعيد بناؤها في العام ١٩٧٦م من قبل مؤسسة الإسكان العسكري. وفي عام ١٩٨٤م جرى ترميم المبنى مع إضافة غرف للخدمات التي تتبع المسجد بعد أن صار مزارا كبيرا ولا سيما بعد ما أشيع أن شعرة من شعر النبي صلى الله عليه وسلم موجودة داخل صندوق خشبي محفوظ فيه!

وأضافت مؤسسة الإسكان العسكرية في تسعينيات القرن المنصرم أقساما جديدة على المبنى وتتضمن ٤ صالات، وهي: مكتبة عامة، وغرفة للإمام، واستراحة للضيوف، ورواق مقبب، بجانب تشييد مسجد صغير للنساء وتجديد دورات المياه، وإضافة مكاتب خدمية ومواضئ تقوم بحق المسجد كمزار بارز على مستوى سوريا، حيث يزوره السنة والدروز والشيعة وكل طائفة تنسبه إليها!

جرى تشييد هذا المسجد من الحجر الرملي، ويبدو المبنى أشبه بمجمع داخل سور كبير، حيث يتكون من أكثر من مبنى، ويحتوي المبنى الأساسي على المصلى الرئيسي الذي يزدان سقفه ب ٦ قباب متفاوتة الأحجام، بجانب قبة فوق المدخل وعدد من القباب الأخرى التي تزين أسقف الملحقات الأخرى ومنها مصلى النساء والحمّام البخاري!

ومن منطقة الوسط بين المبنى الرئيسي القديم وبين الملحقات الحديثة الأخرى، تنبثق مئذنة شاهقة ذات شرفة واحدة، ورغم أنها حديثة إلا أن عديدين يؤكدون أنها بنيت على ذات النمط الذي كانت عليه قبل الصاعقة التي قصفتها، باستثناء القمة التي تغيرت!

ويزيد من جمال المسجد وروحانيته، بجانب عبقه التاريخي ومقوماته الجمالية، استيطانه لمدينة ذات طبيعة خلابة بالقرب من الساحل السوري الذي تتعانق فيه زرقة البحر مع خضرة الأرض، ليبقى هذا المسجد أكثر مساجد الساحل السوري عراقة وجمالا!

x