مسجد الفقي سعيد في قرية الدنوة بمحافظة إب بالجمهورية اليمنية ٥

مسجد الفقي سعيد في قرية الدنوة بمحافظة إب بالجمهورية اليمنية ٥



#مسجد (الفقي سعيد) في قرية الدنوة بمحافظة إب بالجمهورية اليمنية.

أ.د.فؤاد البنا

يقع هذا المسجد في رأس تبة بقرية جميلة تسمى الدنوة التي تقع في عزلة الروس بمديرية حبيش في محافظة إب التي تستوطن القلب التأريخي والجغرافي لشمال اليمن!

وسمي بهذا الاسم نسبة للشيخ العلامة سعيد صالح ياسين الهتار الذي ينحدر من قرية بلد شار الواقعة في ريف إب الغربي، وكان قد سافر إلى عدة أماكن لطلب العلم وأهمها زبيد وجبلة ثم وفد إلى هذه القرية للدراسة في مدرستها العريقة والتي كان قد مر عليها بضعة قرون، ثم انتقل من طالب إلى أستاذ في هذه المدرسة!

وقد امتلك الفقي سعيد شخصية (كارزمية) آسرة جعلت الأهالي يتسامعون به في هجرته بهذه القرية ومكوثه للتعليم والتربية فيها، فأقبل عليه التلاميذ من أغلب المناطق الشافعية التي كان الحكام الإماميون وفقا لفكرهم التكفيري ينظرون إلى أهاليها ككفار تأويل مما عرضهم لظلم وبيل، وكان الفقي سعيد يشاهد هذا الظلم ويسمع بصور أخرى منه في مناطق أخرى من خلال تلاميذه ومريديه الذين دعمه بعضهم بالأموال وأوقفوا لمدرسته بعض الأوقاف، بعد أن صار صوفيا من النوع الثائر، وهو الذي يمتلك شخصية إيجابية ذات حساسية عالية وطاقة هائلة، حتى كانت المظالم التي تمارس ضد أغلبية اليمنيين تستفزه؛ مما جعله ينكر هذه المظالم بالأقوال والأفعال واضطرته ظروف عديدة للخروج على إمام عصره الشيعي سنة ١٢٥٨ أو ١٢٥٦ هجرية!

وبسبب صفاته القيادية فقد انتشرت الثورة وسط المظلومين كانتشار النار في الهشيم، وعندما أقبل جيش الإمام لمواجهة جيشه قام عدد من المحسوبين عليه بخيانته، فانهزم بقية جيشه وأمرهم الفقي بالتفرق والعودة إلى قراهم ومنهم شباب شرعب الذين جاؤوه داعمين مقاتلين، وآثر أن يواجه مصيره وحده، فاستشهد ثم صلب في مكان عام بمدينة إب، وأطلقت عليه جملة من الأكاذيب من قبل الجهاز الإعلامي للأئمة بغرض اغتيال صورته المضيئة في أذهان الأجيال الجديدة، وبعد أن كان (الفقي الثائر) صار يعرف عند جهلة العوام ب(سعيد اليهودي)!

ونعود إلى المسجد الذي بناه الفقي سعيد سنة ١٢٥٣هجرية أي قبل استشهاده بحوالي ٥ سنوات، فقد صار يتكون من ثلاثة طوابق، كما رأيت في فيديو وقرأت عنه، حيث يتضمن الطابق الأول من المبنى الكبير غرفا سكنية لطلاب العلم الذين يدرسون في المدرسة المجاورة للمسجد والتي تسبقه بقرون، ويشتمل الطابق الثاني على ديوان تقام فيه طقوس الأذكار الصوفية والموالد، أما الطابق الثالث فيتكون من بيت الصلاة، وهو قاعة واسعة يرتفع سقفها على عدد من الأعمدة الحجرية المقوسة بعقود من ذات الحجارة، وهو مسقوف بأجود أنواع الخشب.

جرى بناء المسجد من أصلب أنواع الحجارة، وقد ظل المسجد صامدا خلال ما يقارب القرنين؛ بسبب الحجارة التي بنيت منها جدرانه، والتي بنيت منها أيضا العقود التي تحمل أسقف الطوابق الثلاثة!

يمتلك المسجد فناء جميلا يطل على نواحي واسعة من هذه المنطقة التي يشتد جمالها في الصيف، وتوجد فيه برك تم حفرها في الصخر الأصم، وفي الجوار توجد عين ماء يشرب منها الأهالي!

يتميز المسجد بمئذنته العريضة ذات التصميم الأنيق، والتي اختلف لونها البني مع اللون الأبيض لهيكل المسجد، باستثناء الذروة المدببة للمنارة فإنها تشبه المسجد في لونها الأبيض!

يمتلك المسجد في الداخل ثروة فنية من الزخارف والنقوش المبهرة والخطوط العربية الرائعة، ولم ينقص من نفاستها إلا الإهمال الذي دفع بعض الطيبين للتدخل من غير خبرة!

توجد مكتبة في المسجد وتتضمن عددا من المخطوطات القديمة والكتب المعاصرة، كما هو الحال في أغلب هجر العلم التي تكثر في اليمن!

x