حكم الأكل والشرب أثناء أذان الفجر للصائم في رمضان

حكم الأكل والشرب أثناء أذان الفجر للصائم في رمضان



حكم الأكل والشرب أثناء أذان الفجر🔘

⭕ السؤال:

- يا شيخ .. اشتهر عند كثير من الناس أنه يجوز الأكل والشرب حتى ينتهي المؤذن من أذان الفجر، فهل هذا صحيح؟ وما حكم من قد فعل ذلك مرارا؟ بارك الله فيكم.

💡 الإجابة:

- هذه من الأخطاء الشائعة، فإن من سمع الأذان يجب عليه التوقف عن الأكل والشرب فورا، وإن كان في فمه طعام أخرجه، وإن كان يشرب فليتوقف فورا عن الشرب، فمن استمر في الأكل والشرب بعد بدء الأذان فهو مفطر وآثم بفعله، ويجب عليه القضاء والتوبة، هذا مذهب العلماء كافة؛ للحديث الذي في الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إن بلالا يؤذن بليل، فكلوا واشربوا حتى ينادي ابن أم مكتوم)، وهذا في حق من لم يكن يشاهد الفجر، أو ليس عنده علم بكيفية تمييز الفجر الصادق من الكاذب، وأما من كان يرى الفجر، وعنده علم في تمييز الفجر الصادق من الكاذب فالعبرة بما يراه، وقد خالف في هذه المسألة بعض المتأخرين واستندوا لحديث ضعيف أو منسوخ لم يأخذ به أهل العلم جميعا، فلا ينبغي التعويل عليه، فإن اختلف أذان المؤذنين فعلى المسلم أن يتوقف عن الأكل مع أذان المؤذن الأول احتياطا.

ومن قد سبق منه هذا الفعل فيما مضى فلا قضاء عليه إن كان جاهلا بهذه المسألة؛ لعموم الجهل بها عند الناس، وإن كان الاحتياط والأفضل أن يقضي إن كان قادرا.

🚫 وهذا تفصيل حول المسألة لمن أراد التوسع:

📌 ذهب عامة فقهاء الأمصار إلى أن الصيام يدخل بطلوع الفجر، فإذا طلع الفجر لم يجز لأحد أن يأكل أو يشرب وإلا كان مفطرا آثما وعليه القضاء والتوبة، وطلوع الفجر عند من يعرف علامات المواقيت، وكان يرى ذلك هو طلوعه حقيقة، وأما من لم يكن يراه (وهو حال الغالبية العظمى من الناس) فالواجب عليه أن يمسك مع بدء أذان المؤذن؛ فإنه مؤتمن على الوقت، ولا يجوز له الاستمرار في الأكل والمؤذن يؤذن، دليل ذلك قوله تعالى: (وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر)، وقوله صلى الله عليه وسلم: (إن بلالاً يؤذن بليل فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم) رواه البخاري ومسلم، وهما صريحان في أن معقد الإمساك عن الطعام والشراب والنكاح هو طلوع الفجر حقيقة أو سماع صوت الأذان، والنصوص في هذا الباب كثيرة لا تخرج عما ذكرناه.

📌 وذهب العلامة الألباني رحمه الله إلى أنه يجوز لمريد الصيام أن يأكل أو يشرب حتى ينتهي المؤذن من الأذان، ودليله في ذلك حديث: (إذا سمع أحدكم النداء والإناء على يده فلا يضعه حتى يقضي حاجته منه) رواه أبو داود وغيره، وحكم عليه الألباني بالصحة، وفرّع على ذلك جواز العمل بظاهره، وقد أخطأ رحمه الله في ذلك، والجواب على استدلاله من عدة وجوه:

1⃣ أن الصواب في الحديث أنه ضعيف، ضعفه أبو حاتم كما في العلل، وشنّع العلامة النسائي على من رواه، وحكم عليه بالنكارة، كما ذكره في إكمال التهذيب لمغلطاي، والأقرب – والله أعلم- أنه موقوف على أبي هريرة من رأيه، فوهم الراوي فرفعه إلى النبي عليه السلام.

2⃣ لو افترضنا صحة الحديث فهو منسوخ؛ لمعارضته النصوص المتفق على صحتها من القرآن والسنة، ولأنه قد ورد عن بعض الصحابة ما هو أكثر من ذلك كما ذكره ابن بطال في شرحه على صحيح البخاري؛ فقد نقل أن أبا بكر الصديق نظر إلى الفجر مرتين ثم تسحر في الثالثة، وأن عليا قال حين صلى الفجر: الآن حين يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود، وأن حذيفة لما طلع الفجر تسحر ثم صلى ثم قال: هكذا فعل رسول الله غير أن الشمس لم تطلع!! وهذه الأقوال كلها منسوخة ولا يقول بها أحد من الفقهاء، وإلا لزم أن يكون جواز الأكل ممتد إلى قبيل طلوع الشمس كما ذكر حذيفة، فتبين لنا أن هذه الأقوال كلها منسوخة، وأن هذا كان في أول الإسلام، وما أجابوا به على هذه المرويات فهو جوابنا عليهم.

3⃣ وعلى افتراض عدم الضعف وعدم النسخ فإنه مؤول كما قال النووي رحمه الله في المجموع: (من طلع الفجر وفي فيه طعام فليلفظه ويتم صومه، فإن ابتلعه بعد علمه بالفجر بطل صومه، وهذا لا خلاف فيه، ... وأما حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( إِذَا سَمِعَ أَحَدُكُمْ النِّدَاءَ وَالإِنَاءُ عَلَى يَدِهِ فَلا يَضَعْهُ حَتَّى يَقْضِيَ حَاجَتَهُ مِنْهُ ) فقد قال البيهقي بعد روايته له: وهذا إن صح محمول عند عوام أهل العلم على أنه صلى الله عليه وسلم علم أنه ينادي قبل طلوع الفجر بحيث يقع شربه قبيل طلوع الفجر، وأن المراد بالنداء هو الأول ليكون موافقا لحديث ابن عمر وعائشة، وعلى هذا تتفق الأخبار) بتصرف.

📌 فإن قال قائل: إن المؤذنين لا يلتزمون بأوقات الأذان الصحيحة، وأنهم يتفاوتون في ذلك تفاوتا كبيرا بحيث يكون بين أذان الأول والأخير الدقائق ذوات العدد، فالجواب أن هذا الموضوع خارج النزاع، وإنما النزاع في جواز الأكل وقت الأذان وقد دخل الوقت فعلا ..

وعلى كل حال فمن كان يرى طلوع الفجر فالعبرة بما يراه إن كان عالما بالمواقيت والفرق بين الفجر الصادق والكاذب، ومن لم يكن يرى الفجر، أو كان يراه ولكن لا علم عنده بالمواقيت فالواجب أن يمسك مع أول أذان يسمعه احتياطا، ولا عمل على الشك المحتمل بأنه لم يدخل الوقت بعد، فهذا تهاون في شعيرة عظيمة بموجب التشهي والتساهل لا غير.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

x