نهاية مشعوذ قصة جميلة ومعبرة للكاتب المتالق محمد مصطفى العمراني

نهاية مشعوذ قصة جميلة ومعبرة للكاتب المتالق محمد مصطفى العمراني



نهاية مشعوذ قصة قصيرة

محمد مصطفى العمراني

حين عملت بالتدريس في إحدى المدارس في ضواحي مدينه إب ، أستطعت بالتعاون مع البعض من المدرسين تحويل المدرسة إلى شعلة من النشاط والعطاء الذي تجاوز المدرسة إلى المناطق المجاورة ، محاضرات في المساجد ، أسمار ومهرجات ، رحلات ومباريات ، مسابقات وجوائز ، لقاءات في المقايل ، أنشطة دعوية وثقافية ، لكن سرعان ما جاء قرار نقلي من تلك المدرسة إلى مدرسة نائية في أقصى الريف كعقوبة على نشاطي الذي تم تصنيفه لصالح تيار سياسي.!

شعرت بحزن شديد ، بحثت عن وساطة كبيرة توقف قرار إبعادي عن المدرسة لكن كل المحاولات باءت بالفشل .

سلمت أمري إلى الله ، وذات صباح خريفي ودعت الزملاء والطلاب ، وحزمت أغراضي ورحلت إلى تلك القرية النائية .

وصلتها ليلا ، سألت عن المدرسة فدلوني عليها ، لم أصدق أن ما رأيته هي المدرسة ، ثلاثة فصول متهالكة بلا أبواب ولا نوافذ ولا كراسي ولا سبورات ، مجرد خرابة تبيت فيها بعض الكلاب الشاردة .!

هل هذه هي المدرسة التي سأدرس فيها ؟!

سألت صاحب الدكان الذي يبيع كل شيء عن المدير فقال :

- الشيخ غير موجود ، الشيخ في المدينة

- أنا أبحث عن مدير المدرسة وليس عن الشيخ .

- الشيخ هو مدير المدرسة .!

- أنا المدرس الجديد المرسل إلى المدرسة ، دلني على بيت أي مدرس من أبناء المنطقة أو وكيل المدرسة أو نائب المدير .

هز رأسه مستغربا فلم يسمع قبل اليوم بمدرس من أبناء المنطقة ، أو شيء اسمه الوكيل أو ونائب المدير .!

الشيخ هو كل شيء.

طلبت منه أن يدلني على الجامع لأبيت فيه لكنه استضافني في منزله .

في صباح اليوم التالي انتظرت أن يأتي الطلاب لكن لم يأت أحد .!

سألته :

- أين الطلاب ؟

- حتى الآن لا يوجد طلاب .!

كان علي انتظار الشيخ حتى يعود ويأمر الناس بإرسال أولادهم للمدرسة أقصد الخرابة التي يسمونها مدرسة .

بدأنا من الصفر وتمكنت بدعم الشيخ والأهالي من اصلاح أوضاع المدرسة وبناء سكن لي بجوارها ، جمعت ما يقارب 200 طالب وبدأت تدريسهم ، وبدأت الأمور تمضي ببطء وتتحسن يوما بعد يوم .

ما حز في نفسي هو النشاط الواسع لأحمد جابر وهو مشعوذ من أدعياء العلاج بالقرآن والطب العربي ، له تأثير كبير على الناس ، ودائما ما يتحدثون عنه :

الفقيه قال ، الفقيه كتب لولدي حرز فتعافى ، الفقيه عالج زوجتي من المس ، الفقيه كتب سورة الواقعة فنزل المطر ، الفقيه يقرأ الكف ، ويكشف الطالع ويعرف النجوم .

يعتقد الكثير منهم بأنه ولي مكشوف عنه الحجاب ، لكنني عرفته من أول لقاء بأنه دجال .

ذهبت إليه سرا ونصحته لكنه أعرض عني ساخرا وهددني بأن يسلط علي أعوانه من الجن .!

حذرت الناس منه ، وكشفت حقيقته وناقشته في مقيل الشيخ فأفحمته فسكت قائلا :

- أنت ضيف عندنا ولن أرد عليك ، ويعلم الله ماذا سيحدث لك ، قد تنهشك حية في الليل ، أو يلدغك ثعبان في فراشك أو تصيبك رصاصة طائشة ، فمن يعادي أولياء الله مصيره بشع .

أدركت أنه يهددني لكنني لم أخف منه .

الغريب أن الشيخ وقف معي وصاح في المجلس :

- المدرس ضيفنا ، وفي حمايتي شخصيا ، واذا حدث له شيء فأحمد جابر غريمه ، اشهدوا يا ناس لقد هدده أمامي .

في تلك الليلة فوجئت بالشيخ يطرق باب سكني ، جلسنا وتحدثنا .

أخبرني أنه يعرف حقيقة أحمد جابر وأكاذيبه على الناس ، وأنه دجال خبيث ، وحذرني منه فهو لن يتورع عن إرسال من يدس لي السم ، أو يقتلني بالرصاص اذا واصلت التحريض عليه ، سيفعلها حين يغادر إلى المدينة ليبعد عن نفسه التهمة .

لم تمض سوى أيام حتى غادر أحمد جابر إلى المدينة ، حينها أخذت كافة احتياطاتي وحذري ، زودني الشيخ بمسدس ، ونصحني سرا أن أنام في السقف وأترك الأضواء في السكن ، وأفتح صوت الراديو وأضعه في النافذة حتى يتأكد من سيستهدفني أنني في السكن .

مددت عدة وسائد على فراشي ودثرتها كأنني أنا النائم وجعلت الباب شبه مفتوح فهاجم السكن مسلح مجهول أطلق النار على فراشي ولاذ بالفرار .

في اليوم التالي جاء إلى المدرسة أحد أقارب أحمد جابر يدعوني لتناول الغداء في منزله فأعتذرت له ، وفوجئت به في المساء يأتيني بطعام فاخر فوعدته بتناوله ، ولما غادر وضعته للقطط فماتت بعد تناولها .

لقد دسوا فيه السم فعلا .

فشلت كل محاولات اغتيالي ، وبدأ الناس في القرية يتحدثون عن محاولات " الفقيه " لقتل المدرس وانكشفت حقيقته للكثير منهم .

المشكلة أن الناس صاروا ينظرون لي كأنني ولي من أولياء الله الصالحين ، لا تؤثر في الرصاص ولا يقتلني السم .!

ولما فشلت عصابة المشعوذ في اغتيالي بأي وسيلة ، عاد أحمد جابر ذات ليلة تحت جنح الظلام ، لم يعد إلى بيته بل جاء إلى سكني وهو يردد :

- يا غريب كن أديب والا نهايتك قريب .

بحث عني في السكن فلم يجدني ، كان غاضبا يسب ويشتم ويهدد ويتوعد .

أمسك بجهاز المسجل الذي يقرأ القرآن ورماه على الأرض حتى تفتت ، بعثر أدوات السكن وخرب بعضها ، بحث عني في الفصول وبجوار المدرسة ، وأنا أراقبه بصمت من سطح السكن ، تركته يجري هنا وهناك ويسب ويشتم كالوحش المسعور حتى خف غضبه وتوقفت حركته وجلس يمضغ القات بصمت ، وحينها هاجمته بغتة من الخلف ووضعت المسدس خلف رأسه صارخا فيه :

- أين أعوانك من الجن يا دجال ؟

ارتبك وتلعثم ولم يستطع النطق ، كان يرتجف مثل دجاجة تم ذبحها للتو .

صرخت فيه :

- أنت جبان كذاب ، تخدع البسطاء وتضحك على النساء ، والليلة ستنتهي قصتك وتظهر حقيقتك ، ستسير وسط بيوت القرية ، وتعترف بجرائمك وأفعالك ، هيا تحرك أمامي .

تحرك أمامي صاغرا متوسلا عارضا علي الأموال الكبيرة مقابل تركه وشأنه .

حين اقتربنا من منزل الشيخ حاول الفرار فأطلقت رصاصة في الجو ؛ وحينها حدث ما لم يخطر لي على بال ، لقد سقط على الأرض ، في البداية ظننت أنه يمثل علي وانها لعبة منه ، وحين قلبته وحاولت سماع نبض قلبه وجدته ميتا دون حراك .!

أقبل الشيخ كأنه كان ينتظرنا ، كان يقود أحد الكلاب ، أخذ مني المسدس ووضع فيه كاتم الصوت وأطلق النار على الكلب .

أشار علي بالعودة إلى السكن فورا ، وأن أصمت تماما وسيتولى هو الأمر .

بعدها تجمع الناس فأكد لهم الشيخ أنه أطلق الرصاص على الكلب لأنه مسعور ، وقد طارد أحمد جابر ليعضه ، وأنه مات من الخوف ، وفعلا لم يجد الناس في أحمد جابر أي خدش أو أثر للرصاص ، كما أكد الطبيب أن أحمد جابر مات بالسكتة القلبية وحينها تخلصت القرية من أحقر مشعوذ دجال وتخلصت من أكبر هم عرفته في حياتي .

وأشرق في القرية صباح جديد .

***

x