هل الزلازل عذاب من الله  كلام مختصر ومفيد لفضيلة الشيخ الدكتور يوسف الرخمي

هل الزلازل عذاب من الله كلام مختصر ومفيد لفضيلة الشيخ الدكتور يوسف الرخمي



هل الزلازل عذاب من الله؟🔘

⭕ السؤال:

- شيخنا حفظكم الله .. نريد توضيحا منكم فيما يحصل للمسلمين من زلازل ونحوها هل هذا بسبب الذنوب والمعاصي؟ وهل هو عذاب من الله تعالى في حق من وقع به؟ البعض سمعته يتشفى في إخواننا المسلمين بتركيا وسوريا الذين أصابهم الزلزال. أرجو التوضيح الشامل، وجزاكم الله خيرا.

💡 الإجابة:

- هذه نقاط سريعة في الموضوع:

1⃣ لا شك أن أفعال الباري كلها لها حِكمة، وأنه سبحانه لا يفعل شيئا عبثا، وقد نعلم هذه الحكمة وقد تخفى علينا لقصور علمنا.

2⃣ المصائب التي تحصل للعباد من زلازل وفيضانات وأعاصير وأوبئة وغيرها لها حالتان:

❶ ابتلاء من الله تعالى لعباده المؤمنين، يمحّص بها إيمانهم، ويكفّر ذنوبهم، ويرفع درجاتهم، كما قال تعالى: (ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص ‏من الأموال والأنفس والثمرات، وبشر الصابرين)، وجعل ضحاياها في زمرة الشهداء، كما في الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (الشهداء خمسة: المطعون، والمبطون، والغرق، وصاحب الهدم، والشهيد في سبيل الله).

وقد وقعت الزلزلة في المدينة المنورة بعهد عمر رضي الله عنه، وفيها الصحابة وخيار الناس، ووقع الطاعون في الصحابة بأرض الشام ومات بسببه خلق كثير، فهل كان هذا عذاب من الله عليهم؟!

❷ عذاب من الله تعالى يرسله على من يشاء من عباده الكفار أو العصاة، كما أرسل الرجفة على قوم مدين حين كذّبوا نبيهم، قال تعالى: (فكذبوه فأخذتهم الرجفة فأصبحوا في دارهم جاثمين)، وتوعّد العصاة بذلك فقال: (قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذابا من فوقكم، أو من تحت أرجلكم، أو يلبسكم شيعا ويذيق بعضكم بأس بعض، انظر كيف نصرف الآيات لعلهم يفقهون).

3⃣ معرفة نوع المصيبة هل هي عذاب للعصاة أو ابتلاء للمؤمنين أمر اختص الله بعلمه، ومن الكذب على الله تعالى والتألّى عليه الجزم بأن ما أصاب قوم فلان إنما هو عذاب عليهم، أو أنه ابتلاء لهم، فهذا مما لا يجوز الجزم بمثله، ولا يعلم الغيب إلا الله.

4⃣ يجب على المسلم إحسان الظن بالمسلمين، وحملهم على السلامة، مع النصح والإرشاد بالتي هي أحسن لما يمكن أن يقعوا فيه من المعاصي، وإن من الذنوب التي تُهلك صاحبها التسرع في الحكم على المسلمين بالهلاك، وفي الحديث الذي رواه مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إذا قال الرجل: هلك الناس فهو أهلكَُهم)، وقد وردت (أهلكهم) بالنصب وبالرفع، ومعناها بالرفع: أي أشدهم هلاكا.

5⃣ الابتلاء والإنذار والتحذير من الله تعالى للناس يأخذ صورا وأشكالا شتى، كل قوم بحسب ما يناسبهم، فمنهم من ينذرهم الله بالزلازل بحكم قربهم من أطراف الصفائح الصخرية التي تحمل القارات ونسبة تأثّرهم بالزلالزل أعلى، ومنهم من يجعل نذارتهم بموجات تسونامي بحكم قربهم من البحار والمحيطات، ومنهم من يجعل نذارتهم بالقحط والجدب لكونهم في مناطق زراعية، ومنهم بالرياح والعواصف، ومنهم بالفيضانات، ومنهم بالحروب، ومنهم بالبراكين، ومنهم بموجات الصقيع، ومنهم بموجات الحر، ومنهم بالحرائق، ومنهم بالطواعين والأوبئة، ومنهم بالفتن ... إلخ.

6⃣ يظن كثير من الناس أن البلاء والابتلاء إنما يكون بالشر والمصائب فقط، وهذا قصور في النظر؛ فإن الابتلاء يكون بالنّعم أيضا، بل إن الابتلاء بالسراء أعظم من الابتلاء بالضراء، وقد نجح في ابتلاء الضراء خلق كثير، وسقط في ابتلاء السراء خلق أكثر، (ونبلوكم بالشر والخير فتنة).

7⃣ للزلازل والكوارث معاني وحِكم أخرى غير ثنائية (العذاب والابتلاء) التي يدندن حولها الناس غالبا، منها العِظة والعبرة، ومنها تخويف العصاة بالرجوع إلى الله، ومنها بيان قدرة الله وقوته وعظمته، ومنها بيان ضعف البشر وحقارة إمكانياتهم أمام قدرة الله المطلقة، ومنها التذكير بيوم القيامة وما يحصل فيه من الأهوال والتغيرات الكونية الضخمة ... إلخ، وقد أشار الباري إلى ذلك بقوله: (وما نرسل بالآيات إلا تخويفا).

8⃣ إظهار الشماتة بالمسلمين، والفرح بما يصيبهم لا يصدر عن مؤمن، بل لا يصدر حتى عن إنسان سوي، وهو علامة ضعف الإيمان وفساد الخُلق، وقد روى الترمذي في سننه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا تُظهر الشماتة لأخيك، فيرحمه الله ويبتليك) وهو حديث حسن، وهذه المصائب إن قدّر الله تعالى لها أن تصيب تركيا وسوريا هذه المرة فيمكن لها أن تصيب غيرهم أيضا، ونحن في اليمن قد ابتلانا الله بمثل هذا، وغيرنا كذلك.

9⃣ ختاما: من المؤسف أن الجدل في أمتنا أصبح هو الغالب في أكثر الأحداث، فعوضا عن مواساة ومساعدة إخواننا المسلمين المصابين بالزلزال انشغلنا بقضايا جدلية هي إلى اختصاص الخالق أقرب منها إلى المخلوق، وتركنا الواجب علينا من العمل إلى ما لا يجب من الجدل.

والله المستعان.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

لمتابعة قناة فتاوى د. يوسف الرخمي على (تليجرام): افتح الرابط ثم اضغط اشتراك

http://t.me/alrkhme

x