مسجد (فاتحبوري) في مدينة دلهي عاصمة جمهورية الهند.
أ.د.فؤاد البنا
يقع هذا المسجد في الطرف الغربي لشارع تشوك تشوك المشهور بين أقدم شوارع العاصمة الهندية، ويقابل القلعة الحمراء في قلب المدينة التي كانت أهم عواصم الدولة المغولية التي أقامها المغول المسلمون في أنحاء واسعة من الهند واستمرت طيلة بضعة قرون.
جرى تشييد هذا المسجد في القرن السابع عشر الميلادي، وبالتحديد سنة ١٦٥٠م، وقد سمي بهذا الاسم نسبة للمرأة التي قامت بتشييده على حسابها الخاص، وهي فاتحبوري بيجوم التي كانت واحدة من زوجات الإمبراطور شاه جهان الذي يعد من أقوى ملوك المغول في الهند.
ومن أشد الغرائب أن البريطانيين الذين انتزعوا الهند من المسلمين بزعم المجيئ لتحضير الهنود، قاموا بعرض المسجد للبيع في المزاد، وذلك بعد المقاومة الشرسة التي أبداها المسلمون في حرب ١٨٥٧م، وقد اشتراه أحد الأثرياء بمبلغ ١٩ ألف ربية وحافظ عليه، وفي عام ١٨٧٧م تمكنت حكومة دلهي من استعادة المسجد مقابل أربع قرى أعطيت للبائع، وأعيد للمسلمين من قبل محكمة دلهي دوربار، بعد أن سمحت بريطانيا للمسلمين بالعودة مرة أخرى إلى دلهي القديمة!
تُظهر صور المسجد بأنه قد شيّد وفقا للطراز المغولي المطعّم بشيء من الطراز الهندي في العمارة، وقد جرى تشييده بالحجر الرملي الأحمر، وجرى استخدام الأعمدة المقوسة في تحمل ثقل المبنى الضخم والذي يتمدد مع صرحه المكشوف وملحقاته على مساحة عريضة من الأرض، وبالتأكيد فإنه يتسع لبضعة آلاف من المصلين.
يتميز المسجد بواجهته الضخمة البارزة والتي يعلو فوق طرفيها برجان صغيران، وفي الركنين المجاورين لهما تشمخ مئذنتان عاليتان بصورة مبهرة. ويمتلك قبة كبيرة تحيط بها مجموعة من القباب الصغيرة التي تضافرت مع تفاصيل أخرى في إظهار المسجد بصورة مدهشة!
يشتمل المسجد على قاعة كبيرة للصلاة، وتنفتح منها سبعة أبواب مقوسة تعلوها منحوتات بصورة جذابة!
ويمتلك المسجد شقتين إحداهما مفردة والاخرى مزدوجة وترتكزان في جانبي المسجد، يبدو أنهما خصصتا كسكن للإمام والخطيب، ويقع الصرح المركزي في وسط المبنى وهو مرصوف بصورة متقنة لكي يكون مصلى لأعداد إضافية في الأعياد، وهذا هو الذي يحدث حتى الآن!
وفي وسط هذا الصرح الواسع توجد بركة أنيقة تنبثق من قلبها نافورة أثرية جميلة، وتصطف حول البركة مجالس من المرمر للذين يقومون بالوضوء!
وبلا شك فإن هذا المسجد صاحب رسالة شاملة في المجالات الروحية والثقافية والعلمية والاجتماعية.