من طرائف شيخ الإسلام الإمام المجتهد محمد بن إسماعيل العمراني رحمة الله تعالى عليه رحمة واسعة ورفع مقامه في عليين
يعد الدكتور محمد غنيم ، وهو عالم مصري من كبار طلبة العلم الذين درسوا على شيخنا العلامة القاضي محمد بن اسماعيل العمراني ـ رحمة الله تغشاه ـ ، وهو أيضا مؤلف كتاب " قصص وحكايات من اليمن " والذي جمع فيه عشرات الطرائف والقصص التي رواها عن شيخنا العلامة العمراني.
يروي الدكتور غنيم لطيفة من لطائف العلامة العمراني يقول :
ـ في يوم من الأيام ونحن نقرأ عليه من كتاب " صحيح البخاري " وأثناء حديث القاضي عن اليمنيين البارعين ، وعن قبر عبد الرزاق الصنعاني ، المحدث الثقة ، قام القاضي يمازحني " يحانكني " باللهجة الصنعانية بأن يفخر بعبد الرزاق الصنعاني ، ويقول عبد الرزاق من اليمن .
يقول الدكتور محمد غنيم : ( فقلت له هو ليس من اليمن هو من " الأبناء " من الموالي فاسمه عبد الرزاق بن همام بن نافع الحميري، مولاهم ، فرد علي قائلا :
ـ لكنه ولد ونشأ وعاش في اليمن فصار يمني .
فقلت له :
ـ على هذا الأساس فالأنصار ليسوا من اليمنيين فقد ولدوا وعاشوا وولد وعاش أجدادهم وكذلك الآباء في المدينة المنورة .
فقال القاضي العمراني :
ـ خلاص خذ لك عبد الرزاق وأترك لنا الأنصار ).
ومن اللطائف التي رواها القاضي العمراني أن المحدث الثقة العلامة معمر بن راشد شيخ عبد الرزاق الصنعاني وصل إلى صنعاء بحثا عن العلم فعاش بها وأحبها وأحبَ أهل صنعاء كما أحبوه، فقال أحدهم:
ـ لكي لا يرحل عنا ابن معمر قيدوه ، أي زوجوه فتزوج ببنت من صنعاء ، وعاش بصنعاء حتى وفاته رحمه الله ، وكان يزور والدته إلى البصرة عندما يذهب للحج، ومات معمر بن راشد وقُبر في صنعاء بجانب مسجد النزيلي الكائن خلف المتحف العسكري في ميدان التحرير حاليًا، وكان القاضي العمراني يزور قبره قبل عام 1962م قبل أن يدخل قبره في تلك البنايات المستحدثة بعد الثورة في تلك المنطقة ويختفي.
رحل الإمام احمد بن محمد بن حنبل الشيباني من العراق إلى اليمن مع يحي بن معين قاصدين المحدث الإمام عبد الرزاق الصنعاني ، فلما وصلا إلى مكة وجدا عبد الرزاق الصنعاني ، فقال يحي بن معين يا أحمد : نحن وجدنا الإمام ، ليس هناك ضرورة في أن نذهب إلى اليمن ، فقال الإمام أحمد : أنا نويت أن أسافر إلى اليمن ، ثم رجع عبد الرزاق إلى اليمن ولحقا به إلى صنعاء ، وبقي الإمام أحمد في صنعاء اليمن عشرة أشهر ، وفي رحلته هذه لم يكن لديه مال ، فكان يحمل البضائع على الجمال وعلى الحمير فيأخذ من هذا درهم ومن هذا درهم ، فيعيش بهذه الدراهم ، وفي الصباح يطلب العلم حتى يستغني عن سؤال الناس ، وكان الإمام أحمد يكره الشهرة والثناء ، قال أحمد بن حاتم : حدثنا أحمد بن سنان قال : بلغني أن أحمد ابن حنبل رهن نعله عند خباز باليمن ، وأكرى نفسه من جمالين عند خروجه ، وعرض عليه الإمام عبد الرزاق الصنعاني دراهم صالحة ، فلم يقبلها .
وبعد أن أخذ من علم عبد الرزاق رجع إلى العراق مشيا على الأقدام ، فلما رجع رأوا عليه آثار التعب والسفر فقالوا له : ما الذي أصابك ؟ فقال الإمام أحمد : يهون هذا فيما استفدنا من عبد الرزاق ، وقد قال عنه شيخه عبد الرزاق الصنعاني : ما رأيت أحدا أفقه ولا أروع من أحمد .
• الإمام الشافعي ورحلته إلى اليمن :
لما مات الإمام مالك ، وأحس الشافعي أنه نال من العلم أشطراً ، وكان إلى ذلك الوقت فقيرا ، اتجهت نفسه إلى عمل يكتسب منه ما يدفع حاجته ، ويمنع خصاصته ، وصادف في ذلك الوقت أن قدم إلى الحجاز والي اليمن فكلمه بعض القرشيين في أن يصحبه الشافعي ، فأخذه ذلك الوالي معه ، ويقول الشافعي في ذلك : ( ولم يكن عند أمي ما تعطيني ما أتحمل به ، فرهنت داراً فتحملت معه ، فلما قدمنا عملت له على عمل ) ، وفي هذا العمل ظهرت مواهب الشافعي ، فأشتهر في مكة بعلمه وعدله ، ولم يكن يقبل التملق والمصانعة كبقية القضاة والولاة ، ويقول هو في ذلك : ( وليت نجران وبها بنو الحارث بن عبد المدان ، وموالي ثقيف ، وكان الوالي إذا أتاهم صانعوه ، فأرادوني على نحو ذلك فلم يجدوا عندي ) ولما نزل الشافعي باليمن ، ومن أعمالها نجران ، كان بها وال ظالم ، فكان الشافعي يأخذ على يديه ، أي ينصحه وينهاه ، ويمنع مظالمه أن تصل إلى تحت ولايته ، وربما نال الشافعي ذلك الوالي بالنقد ، فأخذ ذلك الوالي يكيد له بالدس والسعاية والوشاية . وقد تعرض في رحلته للعديد من المشاكل والوشايات والتهم نتيجة الصراع السياسي آنذاك .
أما البيت المشهور :
لابد من صنعاء وإن طال السفر **أقصد القاضي إلى هجرة دبر
قيل أن القائل هو الإمام الشافعي ـ رحمه الله ـ وهجرة دبر قرية في سنحان جنوب مدينة صنعاء ، أما القاضي المقصود فهو الإمام العالم والمحدث الحافظ إسحاق بن ابراهيم الدبري ، يعني أنه سيقصده لطلب العلم عنده وقيل أن أول من قالها الإمام أحمد بن حنبل ـ رحمه الله ـ وذلك أنه كان يريد سؤال عبد الرزاق الصنعاني ـ المحدث الشهير ـ عن حديث .. فقيل له أنه قد حج وأن باستطاعته أن يسأله هناك في مكة ، فأجابهم : ( لابد من صنعاء وإن طال السفر ) .. ويقصد بذلك أن العلم يستحق أن يرحل له وإن كان إلى مسافات طويلة .
محمد مصطفى العمراني