مسجد (مولانا) في مدينة روتردام بهولندا.
أ.د.فؤاد البنا
يقع هذا المسجد في شمال غرب مدينة روتردام التي تضم جالية كبيرة من المسلمين ولا سيما الأتراك الذين قامت جمعيتهم ببناء هذا المسجد على نفقتها، وأطلقت عليه اسم (مولانا) ويقصدون به فارس الشعر الصوفي جلال الدين الرومي الذي ينحدر من أفغانستان وأقام أكثر حياته في مدينة قونيا التركية ومات وقبر فيها حينما كانت عاصمة الدولة السلجوقية، وفيها أسس الطريقة المولوية!
ظل هذا المسجد حلما يراود عددا من أبناء الجالية التركية الذين بدأوا بالاستقرار في هذه المدينة منذ عام ١٩٦٩م، وبعد أن زادت أعداد المسلمين وتحسنت الأوضاع المالية لبعضهم، بدأ أولئك الحالمون بجمع تبرعات من الجالية التركية لصالح تجسيد الحلم، واستمر الأمر طيلة عدة سنوات، حتى بدأ الحلم يتحقق ويتحول إلى واقع رويدا رويدا، من دون دعم أي حكومة إسلامية، وقد اكتمل المبنى تماما وتم الافتتاح الرسمي له في ٦ أكتوبر ٢٠٠١م.
يمتلك المسجد تصميما جميلا يلفت أنظار الهولنديين إليه، من خلال هيكله العثماني المتميز وسط مدينة بروتستانتية عريقة؛ حيث تزينه قبة ضخمة تسقف الجزء الأكبر من مساحة المصلى وتحيط بها مجموعة من القباب الصغيرة وأنصاف القباب، وفي ركني الواجهة الرائعة للمسجد تشمخ منارتان عملاقتان بشكل جذاب، ويبلغ ارتفاع كل واحدة منهما ٤٢م مع شرفتين أنيقتين ورأس قلمي رائع ونقوش تزين المئذنة من القاع إلى القمة!
وزاد من أناقة المسجد نقوشه الداخلية الرائعة وخطوطه العربية البديعة، حيث كتبت في أماكن حساسة بعض أسماء الله الحسنى واسم الرسول صلى الله عليه وسلم وأسماء العشرة المبشرين بالجنة ثم زين العابدين ومحمد الباقر!
ونجح المختصون في توزيع الألوان بطريقة متميزة أثناء تجميل هيكله الخارجي، حيث جرى التناغم بين اللون الأخضر الذي يزين القباب وكذا الرأس القلمي للمئذنتين، وبين اللون الأبيض بدرجاته المختلفة والذي يغمر بقية المسجد!
وتظهر جماليات هذا المسجد أكثر بسبب المحيط الذي يقع فيه؛ فهو يمتلك فناء تم تشجير وتزهير مساحات منه ورصف مساحات أخرى. وبسبب ما يمتلك من مقومات جمالية فقد تم اختياره في استفتاء جرى عام ٢٠٠٦م كأجمل مبنى في مدينة روتردام!
يتكون المسجد من ثلاثة أدوار ذات هيكل مرتفع وجميل، ويتضمن المبنى قاعة صلاة رئيسية للرجال في الطابق الثاني وقاعة صلاة أخرى منفصلة للسيدات في الطابق الثالث مع توابعها، وتتسع القاعتان لقرابة ١٠٠٠ مصلّ، أما الطابق الأرضي فيشتمل على قاعة للمؤتمرات والاجتماعات، وعدد من الغرف والمكاتب الإدارية المخصصة للجمعيات الدينية والثقافية والاجتماعية العاملة وسط الجالية المسلمة في هذه المدينة، وبجانب ذلك توجد غرف خاصة لأنشطة الصغار والكبار، ومواضئ ودورات مياه، وبجواره يوجد ملعب كرة قدم جميل وقد سمي باسم المسجد!
ويقوم المسجد بدور مقدر في مجال حوار الحضارات، وساعده على ذلك افتتاحه بعد أحداث ١١سبتمبر ٢٠٠١م بأقل من شهر، مما لفت أنظار أعداد من المسيحيين الذين وفدوا إلى المسجد بقصد التعرف على الإسلام عن قرب!
