شبهات وردود أين ذهبت خطب النبي صلى الله عليه وسلم يرد عليها  ويكتبها الشيخ الدكتوريوف الرخمي

شبهات وردود أين ذهبت خطب النبي صلى الله عليه وسلم يرد عليها ويكتبها الشيخ الدكتوريوف الرخمي



شبهات_وردود ❃

🔘أين ذهبت خطب النبي صلى الله عليه وسلم؟🔘

⭕ السؤال:

- شيخنا حفظكم الله .. هناك شبهة رائجة بشدة ينشرها المنكرون للسنة، يقولون: كان للنبي صلى الله عليه وسلم في حياته على الأقل 500 خطبة خلال عشر سنوات عاشها في المدينة، فأين هذه الخطب؟ وهل يعقل أن الصحابة جميعا لم يهتموا بنقلها؟ أو أنه قد جرى إهمال نقلها عمدا لأسباب سياسية؟ تكرموا بالرد المفصل على هذه الشبهة رفع الله قدركم.

💡 الإجابة:

- يمكن الرد على هذه الشبهة من خلال النقاط التالية:

1⃣ تعتمد الشبهة في أساسها على مغالطة وكذبة اخترعها وتناقلها المحاربون لسنة الحبيب المصطفى صلى لله عليه وسلم وهي أنه لا وجود لخطب النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا كذب وجهل، فخطب النبي صلى الله عليه وسلم موجودة ومدوّنة في مصادرها كما سيأتي تفصيله.

2⃣ تم تدوين خُطب النبي صلى الله عليه وسلم في نفس الوقت الذي تم فيه تدوين السنة، فالسنة في أصلها هي أقوال النبي صلى الله عليه وسلم، وأفعاله، وتقريراته، وجزء كبير من أقواله مأخوذ من خُطبه، سواء منها خطب الجمعة أم الأعياد أم خطب المواقف المهمّة، وهذه الخطب موجودة على صورتين:

🔷 الأولى: خطب مبثوثة في كتب الحديث والفقه والسيرة والتاريخ وغيرها، بحسب ما يستدعيه الاستشهاد في كل باب.

🔷 الثانية: خطب تم جمعها في كتب مستقلة خاصة بخطب النبي صلى الله عليه وسلم، كما فعل الشيخ محمد خليل الخطيب في كتابه "إتحاف الأنام بخُطب رسول الإسلام"، جمع فيه (574) خطبة نبوية، وذكر مصدر كل خطبة منها.

3⃣ اهتم كثير من العلماء بجمع خطب النبي صلى الله عليه وسلم في مصنفات مستقلة، وقد بلغ عدد المصنفات في هذا الجانب حوالي 30 مصنفا أو تزيد، وسأشير إلى بعضها من باب التمثيل:

🔶 "خُطب النبي صلى الله عليه وسلم، لعلي بن محمد المدائني (ت224هـ).

🔶 "خُطب النبي صلى الله عليه وسلم"، لأبي أحمد العسّال (ت 349هـ).

🔸 "خُطب النبي صلى الله عليه وسلم"، لأبي الشيخ الأصبهاني (ت369هـ).

🔶 "خُطب النبي صلى الله عليه وسلم"، للمستغفري (ت432هـ).

🔶 "خُطب الرسول صلى الله عليه وسلم"، لأبي العباس الخضر الإربلي الشافعي (ت567هــ).

🔶 "موعظة الحبيب وتحفة الخطيب"، لعلي القاري الحنفي (ت1014هـ).

🔶 "الخُطب المصطفوية"، لمحمد علي أكرم الآروي.

🔶 "الخُطب المأثورة"، لأشرف علي التهانوي (ت1362هـ).

🔶 "خُطب سيدنا الرسول صلى الله عليه وسلم وصحابته"، لمحمد شفيق الأرواسي (ت1970م).

🔶 "خطب النبي صلى الله عليه وسلم جمع ودراسة"، رسالة ماجستير، لعبد الملك بن سالم السيابي.

🔶 "خُطب الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم: دراسة توثيقية تحليلية"، رسالة ماجستير، لمصعب نوري محمود العزاوي.

🔶 "خطب الرسول صلى الله عليه وسلم: جمع وتبويب ودراسة"، للدكتور عمر القطيطي التونسي.

4⃣ لم تكن خطب نبينا صلى الله عليه وسلم خطبا طويلة كما هو عليه الحال في عصرنا، بل كانت أكثر خُطبهِ قصيرة جدا تستغرق بضع دقائق فقط، وكان صلى الله عليه وسلم قد أُوتي جوامع الكلم، فيقول بضع كلمات تغني عن كلام كثير، وكان يخاطب عربا أقحاحا يفهمون عنه مباشرة دون الحاجة لتطويل الكلام والشرح.

5⃣ كان جزء كبير من خُطب نبينا صلى الله عليه وسلم يتضمن تلاوة آيات من القرآن، كما روى مسلم في صحيحه عن أم هشام بنت حارثة بن النعمان -رضي الله عنها- قالت: «ما حفظت سورة (ق) إلا من فِيّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يخطب بها كل جمعة»، والقرآن منقول إلينا بالتواتر استقلالا، فلا حاجة لنقله مع خُطبه صلى الله عليه وسلم.

6⃣ يتطرق الوهم والخطأ عند بعض الناس بسبب مقارنته لخطب النبي صلى الله عليه وسلم بخطب عصرنا، فيتوهم مثلا أن خُطبهُ صلى الله عليه وسلم كانت كخطب الناس اليوم لكل خطبة عنوان محدّد لا يخرج الخطيب عنه، ولم يكن الأمر كذلك، بل كانت خطبة النبي صلى الله عليه وسلم تحتوي على مواضيع متفرقة بحسب الحاجة، وكانت كثير من خُطبه آيات أو سورة من القرآن يقرؤها، وربما اكتفى بذلك، وكانت الخطبة وسيلة لتعليمهم الأحكام الفقهية من صلاة أو صيام أو غيره، وربما أفرد خطبة كاملة لتعليمهم الصلاة مثلا، كما روى أبو موسى رضي الله عنه خطبة النبي صلى الله عليه وسلم في كيفية الصلاة، ولم تكن كل خُطبة من خُطبهِ -عليه السلام- جديدة ومختلفة عن سابقاتها، بل كان كثيرا ما يكرّر الخطبة الواحدة عدة مرات، وقد سبق أنه كان يقرأ سورة (ق) في أكثر من خُطبة، وكان ربما كرّر بعض الجُمل في الخطبة ثلاث مرات؛ لأهميتها، أو للتأكيد على مضمونها، أو ليعيها من لم يتمكن من ذلك في المرة الأولى، ولذا لم تكن خُطبهُ تحتوي على معلومات كثيرة وغزيرة غالبا، وإنما هي كلمات يسيرة، كما قالت عائشة رضي الله عنها: كان النبي صلى الله عليه وسلم يحدّث حديثا لو عدّه العادّ لأحصاه. رواه البخاري ومسلم.

7⃣ يتبين من خلال النقطة السابقة أن خطب النبي صلى الله عليه وسلم كانت على أنواع وصور مختلفة:

🔷 فمنها الخطب الطويلة التي تحمل معاني وكلمات كثيرة، وهذا النوع هو الأقل عددا.

🔷 ومنها القصيرة التي تتضمن كلمات قليلة، وهذا هو النوع الأكثر.

🔷 ومنها الخطب التي ليس فيها بعد المقدمة إلا قراءة القرآن، وهذا النوع لا حاجة لنقله؛ لكونه موجود أصلا في القرآن.

🔷 ومنها الخطب المكرّرة التي قالها صلى الله عليه وسلم في أكثر من مناسبة، وهذا النوع يكتفى الرواة بنقل خطبة واحدة فقط.

🔷 ومنها ما تتضمن حديثا مكررا أو قراءة قرآن ولكنها مع ذلك تتضمن معلومات زائدة وجديدة، فينقل الراوي تلك المعلومات الزائدة فقط دونما سواها.

وبهذا تفهم لماذا تأتي خطب النبي صلى الله عليه وسلم على صور متفرقة، منها القصير ومنها الطويل، ومنها ما يشير الراوي إلى مسألة أو مسألتين فيها فقط وردت في الخطبة، أو يشير لمضمونها إجمالا.

8⃣ ليس شرطا لتمييز خطب النبي صلى الله عليه وسلم في يوم الجمعة أو في غيره أن ينص الراوي على أن هذه الخطبة كانت يوم الجمعة، في تاريخ كذا، وبعنوان كذا، بل يجري التعبير عن ذلك بعدة ألفاظ، منها: أن يأتي في لفظ الحديث: (أيها الناس ...)، أو يقول الراوي: وكان على المنبر، أو يقول: (فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: ...)، أو يقول: وعظنا رسول الله ... ونحو ذلك، كما أن كثيرا من الروايات القولية التي رواها أصحاب نبينا صلى الله عليه وسلم في أبواب الشريعة المختلفة هي مما أخذوه من خُطبه وإن لم ينصوا على ذلك صراحة.

9⃣ في زمن النبوة قبل 1400 سنة كان الناس لا يمتلكون من وسائل التوثيق ونقل الأخبار غير الحفظ والرواية، حيث كان القادرون على الكتابة عددا محدودا جدا، وإن توفّر الكَتَبة فوسائل الكتابة بدائية وصعبة تعتمد على الجلود وجريد النخل، ولا يمكن الكتابة فيها إلا لعبارات قليلة ويسيرة، فمن الشطط والتعنت ومجافاة الموضوعية أن تطالب قوما هذا واقعهم بحفظ مئات الخطب عن ظهر قلب، ونقلها بحروفها كما قيلت، لا شك أن أي عاقل منصف لا يمكن أن يطلب مثل هذا الطلب التعجيزي إلا على سبيل المكابرة والتعنت، ولذا كان جزء كبير مما نُقل إلينا من خطب النبي صلى الله عليه وسلم يتضمن تلخيصا للمعنى الذي قاله، مع التنبيه على بعض ما قاله بحروفه مما قدر على الراوي على حفظه، فمثلا يقول الراوي: خطب النبي صلى الله عليه وسلم عن الصدقة فحثّ عليها، ثم قال: من سنّ في الإسلام سنة حسنة ... إلخ، ومثله حديث: فحثّ على كتاب الله ورغب فيه ...، وحديث: فحثّ على جيش العسرة ... ونحوه.

وبهذا ترى أن خطب النبي صلى الله عليه وسلم نقلت إلينا بعضها بألفاظها وحروفها، وبعضها (وهي الأكثر) بمعانيها ومضامينها دون حروفها.

✅ وبهذا ترى هشاشة هذه الشبهة وتهافتها، ومخالفتها للواقع، وللصواب، وللموضوعية، وللمنهجية العلمية.

والله أعلم.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

د.يويف الرخمي

x