مسجد (مار دل بالاتا) في مدينة مار دل بالاتا بجمهورية الأرجنتين.
أ.د.فؤاد البنا
هذا المسجد واحد من أكثر من ١٥٠ مسجداً ومركزا إسلاميا انبثّت في أرجاء جمهورية الأرجنتين المتمددة في جنوب قارة أمريكا الجنوبية.
والاسم الأكثر تداولا للمسجد بين أفراد الجالية المسلمة هو المسجد السني، وكأنه يقابل المساجد الشيعية والأحمدية المنتشرة بقوة هناك رغم أن القائمين عليها أقلية! أما اسمه الرسمي فهو مسجد مار دل بالاتا، ذلك أنه يقع في مدينة مار دل بالاتا التي تتبع محافظة بيونس آيرس، ولا يقع في العاصمة نفسها كما يتردد في كثير من المصادر نتيجة الخلط بين المدينة والمحافظة!
شيد هذا المسجد قبل سنوات قليلة بجهود الجالية المسلمة في هذه المدينة المطلة على المحيط الأطلسي، وتم افتتاحه عام ٢٠١٤م حتى يخدم أبناء الجالية.
بني المسجد على الطراز الفني المعروف بالمدجن، وهو الفن المعماري الذي نقله الأندلسيون معهم حينما هاجروا الى أمريكا الجنوبية، ويتميز بكثافة النقوش والزخارف وقطع الأرابيسك ذات الألوان الصارخة في واجهات المباني وجوانبها الداخلية، كما هو حال هذا المسجد الجميل الذي لم تخلُ حتى الدرج الرابطة بين الطوابق من هذا الانسكاب الفني!
وكما توضح الصور فإن مبنى المسجد يتكون من أربعة طوابق عالية ذات واجهة تبدو للرائي كأنها لوحة فنية ضخمة، وفي قمة المبنى تتربع مئذنة واحدة غير عالية الارتفاع، وفي القلب تعلو السطح قبة متوسطة الحجم لكنها بالغة الجمال!
ويتميز المسجد بالأبواب والنوافذ البيضاوية التي صنعت بإتقان شديد وكأن العمال الذين أنجزوها فنانون وليسوا حرفيين!
تم تزيين واجهة المسجد بآلاف من قطع البلاط الفينيسي المصنوعة يدويًا وكأننا في مهرجان للألوان، والتي رسمت أشكالًا لا تخلو من رموز عربية، وفي الوسط بين الدورين المرتفعين والدورين المنخفضين كتبت بخط عربي جميل عبارة (لا غالب إلا الله) التي زينت مساحات واسعة في قصر الحمراء، وتبدو الواجهة كأنها لوحة رسمت بارتفاع ٤ طوابق، مما جعل المبنى لافتا للأنظار وجالبا للإعجاب وسط المنازل والمباني التي ارتصت على حافة الشارع!
وجرى الاعتناء أكثر بالمدخل الرئيسي للمسجد حيث تم تزيينه بصورة دقيقة جدا من قبل خزاف ماهر، ويمتلك المسجد بوابة أنجزت على النمط المغاربي الذي هو قسيم الفن الأندلسي!
ورغم أن المسجد ليس بحجم كثير من المساجد الكبيرة التي عرضناها في هذه السلسلة، لكن الجهود الفنية التي بذلت فيه كبيرة، وقام بها عدد كبير من المحترفين المهرة في النقش والزخرفة والنجارة والزجاج، فالواجهة مثلا مصنوعة من آلاف الفينسيتاس المعمولة يدويًا، ووصل الأمر في بعض الأحيان إلى استدعاء بعض الخبراء الأجانب في إنجاز بعض المهام الصعبة!
وهكذا فإن هذا المسجد لا يقدم الخدمات المعروفة للمصلين فقط، ولكنه يشعل الشوق في مواجيد المسلمين للتاريخ الأندلسي المجيد، ويُعرف غير المسلمين بمفردة من مفردات التراث الإسلامي في الفن المعماري الأندلسي الذي تعرض للتهجين بعد انتقاله إلى أمريكا الجنوبية وسيطرة ثقافة اللاتين الكاثوليك على كل شيء فيها!