مسجد (السعيد) في مدينة تعز بالجمهورية اليمنية.
أ.د.فؤاد البنا
هذا المسجد هو أكبر مساجد تعز، ويحتل مكانا جميلا في قلب المدينة التي تعد العاصمة الثقافية لليمن، وبجواره تكمن الرؤوس التي تتعلم في جامعة السعيد، والرؤوس التي ضحت بنفسها من أجل كرامة هذا الوطن وذلك في مقبرة الشهداء!
وقد بني على نفقة مجموعة شركات هائل سعيد أنعم، وهي أكبر مجموعة تجارية في اليمن وتتبعها واحدة من كبرى الجمعيات الخيرية في الوطن، ولها أعمال خيرية واسعة، حيث تكفل آلاف الأيتام وتعالج عشرات الآلاف من المرضى، وقد بنت مئات المدارس والمساجد في أرجاء اليمن الكبير، وسمي بالسعيد نسبة لوالد الإخوة الأربعة وهم: هائل ومحمد وعبده وجازم.
وضع حجر الأساس لهذا المسجد الكبير في عام ١٩٩٧م، وتسارع العمل فيه بدأب ليتحقق الإنجاز ويتم الافتتاح في عام ١٩٩٩م بحضور شعبي ورسمي كبيرين.
تم تخصيص قطعة أرض لبناء المسجد تبلغ مساحتها الإجمالية ٧٠٠٠م٢، وتم تشييد المباني على مساحة تبلغ ٣٠٠٠م٢، وتوزعت بقية المساحة بين مواقف للسيارات في الجهتين الشمالية والشرقية، وممرات وبعض المساحات التي خصصت للتشجير المحدود.
شيد المبنى من الخرسانة المسلحة، وتم تلبيس الجدار الخارجي بالرخام الأبيض والحجر الأخضر المستخرج من جبال اليمن العامرة بأجود أنواع الحجارة وأشدها صلابة، أما الجدران الداخلية فتم تلبيسها بالرخام المستورد خصيصا من إيطاليا، وتم تبليط الأرضيات بالجرانيت، أما الصرح الموجود في وسط المبنى فقد كان مكشوفا ومرصوفا ببلاط أسود، ونتيجة شكوى المصلين من الحرارة فقد رصف برخام أبيض مع تغطية السقف، وهو يستوعب عددا لا بأس به من المصلين!
ويبدو جمال المسجد بارزا لكل من يملك ذائقة جمالية؛ فتصميمه متميز، وهيكله المستطيل والمزين بالرخام الأبيض والحجر الأخضر أشد جمالا، ويزيد من جماله مصفوفة النوافذ الواسعة والتي تعلوها قمريات مقوسة ذات زجاج متعدد الألوان ويرتفع فوقها صف آخر من الفتحات الدائرية المزينة بقمريات جذابة تشابه المسجد الأزرق في اسطنبول!
ويتحول جمال المسجد إلى إبهار حينما نرى المآذن الأربع وقد وقفت في الأركان الأربعة للمسجد، وشقت عنان السماء بارتفاع يبلغ ٥٠م لكل مئذنة، مع وجود ٤ شرفات يمكن من خلالها الاستمتاع برؤية جمال هذه المدينة التي يلقبها أهلها بالحالمة!
ويتحول الانبهار إلى دهشة عندما نرى القبة الرئيسية التي تزين قلب المسجد، حيث ترتفع بمقدار ١٣م عن سطح المسجد وتعتلي على أكتاف ٤ من أنصاف القباب التي تشبهها في التصميم والتلوين، بجانب ٥ قباب أخرى لا تختلف عنها تم توزيعها على أنحاء مختلفة من المسجد بطريقة مدروسة لتزيد من جمال هذه التحفة المعمارية، ولتتضافر فتحاتها مع النوافذ في غمر مساحات المسجد بالنور الطبيعي ومده بالهواء النقي، ويشتد إدهاش هذه القباب حينما يتم النظر إليها من داخل المسجد ولا سيما أنها تزدان بنقوش تم حفرها وتلوينها بطريقة مذهلة!
يتكون المسجد من طابقين وميزانين، يحتوي الطابق الأرضي على سلسلة من القاعات المفتوحة على بعضها، وتقام فيها معارض تجارية وثقافية مثل معرض الكتاب الذي كانت تقيمه مؤسسة السعيد قبل الانقلاب الحوثي، وفي الشق الثاني من الدور الأرضي توجد دورات المياه والمواضئ والمغاسل، وهي مربوطة بالصرح الداخلي عبر سلم حجري.
وفي الدور الأول يوجد المصلى المسقوف والذي يتسع لأكثر من ٥٠٠٠ مصل، وفي الميزانين الموجودين في الطابق الثاني يوجد مصلى النساء الذي يتسع لنحو ٣٠٠ من النساء، مع دورات المياه والمواضئ الخاصة بهن، بجانب شقتين سكنيتين للمؤذن والخطيب ومكاتب إدارة المسجد.
وتصل الطاقة الاستيعابية للمسجد في الأعياد إلى ٨٠٠٠ مصل نتيجة قيام إدارة المسجد بفتح قاعة المعارض للمصلين بعد تجهيزها.
ويتضح مما سبق أن المسجد كبير وأنه أقرب إلى المجمع؛ حيث يضم بجانب مصليات الرجال والنساء: مدرسة قرآنية تتكون من عشرة فصول، ومكتبة عامة تزخر بعدد مقدر من الكتب القيمة، وقاعة ضخمة للمعارض الثقافية والتجارية، ومغسلة لتجهيز ودفن الموتى مجانا، ومقبرة تتسع لخمسين قبرا. ويقدم المسجد خدمة الترجمة الفورية للصم البكم في مصليي الرجال والنساء.
ويمتلك أنظمة آلية للتصوير والصوت والمراقبة، ويتميز بامتلاك طاقة صديقة للبيئة وهي الطاقة الشمسية، ويرتبط الموظفون ورجال الأمن بشبكة اتصال لا سلكية داخلية، ويتم نقل الصور الحية للمصلين عبر شاشات كبيرة مثبتة خلف الأعمدة، ويتمتع بنظام تهوية وإضاءة ممتازتين، ويشتهر بنظافته الدائمة، حيث يقوم على هذه الخدمات جميعا طاقم مكون من ٢١ موظفا.
وقد تعرض المسجد للقصف من قبل الحوثيين أكثر من مرة وتعرض في إحداها لأضرار بالغة، لكن مجموعة هائل سعيد قامت بأعمال الترميم ليعود كما كان، باستثناء بعض الأضرار في المنارات التي لم يتم ترميمها بسبب استهداف الحوثيين لمن يقوم بذلك!
وصفوة القول إن هذا المسجد تحفة معمارية رائعة، حيث يزدان داخله بالزخارف والنقوش والخطوط، وتتدلى من سقوفه ثريات رائعة يبلغ عرضها ٣م وارتفاعها ٤م، وبلا شك فهو أبرز مفاخر تعز! وبسبب ما يمتلك من مزايا وخدمات وامتلاكه لخطيب رائع؛ فإنه يجتذب كل جمعة آلاف المصلين، حيث تزدحم مواقف المسجد والشوارع المحيطة به بسياراتهم!