مسجد (الإمبراطور) في مدينة سراييفو عاصمة جمهورية البوسنة والهرسك.
أ.د.فؤاد البنا
بُني هذا المسجد في عهد السلطان محمد الفاتح، فاتح مدينة القسطنطينة والذي فتح أيضا أنحاء واسعة من منطقة البلقان في قارة أوروبا، وقد بناه عيسى بك إسحقوفيتش، والذي يُعرف عند الأتراك بـ«إسحق أوغلو عيسى بك»، ثم بنى حماماً عاماً بالقرب منه وبنى جسراً يربط الضفة الثانية للنهر بالمسجد، وبنى رباطا في الجهة المقابلة من النهر، ومن أجل خدمة هذه المشاريع التي بناها وصيانتها؛ فقد أوقف عددا من الأراضي والملكيات والحوانيت التي بناها، بحيث يعود ريعها لصالح هذه المشاريع.
وبعد مرور قرابة ستة قرون على تأسيس المسجد، من المؤكد أنه لم يعد كما كان أول مرة حينما بني من الخشب وكان أصغر حجما مما هو عليه اليوم، فقد تعرض لتدمير جزئي أو شبه كلي عدة مرات وحظي في المقابل بصيانات وتطويرات متعددة، وجرى أول تجديد له سنة ١٥٦٥م في عهد السلطان سليمان القانوني أي بعد مرور نحو ١٠٨ سنوات على بنائه، وجرى آخرها بعد الحرب التي شنتها صربيا على البوسنة والهرسك منذ ما يزيد عن ربع قرن، وما تزال ترميماته غير مكتملة حتى يبدو بالصورة التي تليق بأقدم مسجد في البوسنة والهرسك!
ورغم كل شيء فإن هذا المسجد ما زال من أهم المعالم البارزة في مدينة سراييفو التي تلقب بمدينة المآذن؛ وذلك لقيمته التأريخية أولاً فهو أول مسجد بُني فيها بعد الفتح العثماني لها؛ حيث تأسس سنة ١٤٥٧م، ولأنه أكبر مسجد على مستوى البوسنة والهرسك في امتلاكه لقبة منفردة، ثم لموقعه الرائع بين النهر والجبل، وحيازته لعدد من مقومات الجمال المعهود في النمط العثماني لبناء المساجد!
ويعده خبراء في المعمار العثماني من أكثر مساجد العهد العثماني في البلقان جمالاً؛ إذ يمتاز بالرحابة الداخلية في المصلى والأروقة والصرح المكشوف، وبالثراء في التفاصيل الزخرفية ذات الجودة العالية، وفي مقدمتها المحراب الذي يعد تحفة رائعة في هذا المضمار، بما يتضمنه من رسوم نباتية وهندسية وخطوط عربية.
يمتاز المسجد بتصميمه الهندسي الذي أخذ شكلا مستطيلا، وبواجهته الجميلة المطلة على النهر ولا يفصله عنه إلا شارع ضيق، وتنتصب في هذه الواجهة ثلاث قباب ومئذنة قلمية عالية ذات شرفة واحدة، حيث تتجاور المئذنة والقبة الكبيرة في وسط السطح ليظهر المسجد بصورة جذابة، وتزداد لوحة هذا المسجد جمالا بخلفيته التي تبدو في الصور؛ حيث الجبل المكسو بأشجار كثيفة ذات خضرة مبهرة!
وتتبع المسجدَ مقبرةٌ تثوي بجانبه، وتحوي أضرحة عدد من الوزراء والمشايخ والوجهاء والمفتين والموظفين الذين مروا على المسجد، والذين أوصوا بأن يقبروا بجانب هذا المسجد الذي كانوا يحملون له حبا غير محدود!