قصص مشهوره يرويها الخطباء والوعاظ تغرس مفاهيم مغلوطة ينبغي تجنبها لضعفها ولاصحة لها قصة حديث انت ومالك لابيك

قصص مشهوره يرويها الخطباء والوعاظ تغرس مفاهيم مغلوطة ينبغي تجنبها لضعفها ولاصحة لها قصة حديث انت ومالك لابيك



ملخصات فقهيه للدكتور يوسف الرخمي

أنت ومالك لأبيك

ـ✾═══════════✾

من القصص المشهورة الصحيحة ولكن الناس يوظفونها بصورة خاطئة، ويفسرونها تفسيرا مغلوطا قصة حديث: (أنت ومالك لأبيك) وبيانها فيما يأتي:

عن جابر رضي الله عنه أن رجلا قال: يا رسول الله، إن لي مالا وولدا، وإن أبي يريد أن يجتاح مالي، فقال صلى الله عليه وسلم: (أنت ومالك لأبيك). رواه ابن ماجه وغيره، وللحديث قصة طويلة ذكرها الطبراني في الأوسط هذه خلاصتها خشية الإملال من ذكرها.

هذا الحديث ضعفه بعض العلماء لتفرد أحد الرواة به، ولكن الصواب أنه حديث صحيح فقد رُوي من طرق يقوي بعضها بعضا ترتقي به لدرجة الصحيح لغيره كما قال الإمام الشوكاني، وقال ابن القطان وابن حجر وغيرهما: إنه حديث صحيح، وصححه من المتأخرين العلامة الألباني.

ولكن مع صحة الحديث هناك فهم مغلوط عند أكثر الناس له؛ فتجد الأب يسطو على مال ابنه فيأخذه دون وجه حق وقد أغناه الله بماله الخاص، ويُؤثِر بعض أولاده أو بناته بالعطية دون الباقين، أو يجبر أحد أولاده على بيع ماله أو إشراك باقي إخوانه فيه... الخ، فإذا نبهه أحدهم إلى خطأ تصرفه أجاب دون تردد: (أنت ومالك لأبيك)، وهذا غير صحيح؛ فالأب إن كان غنيا فليس له أن يأخذ من مال ولده شيئا إلا بطيب من نفسه، وإن كان فقيرا فليس له أن يأخذ من مال ولده الغني إلا قدر نفقته الواجبة وبحسب ما يقدره القاضي أو العدول أو تجود به نفس الولد، ولا يجوز له إكراه ولده على بيع أرضه أو بعض ماله، ولا يجوز له أن يشرك أولاده الآخرين في مال ولده دون وجه حق، ولا يجوز له أن يجبر ولده أن يكتب عقود الشراء باسم والده لتكون بعد ذلك لجميع إخوانه، كل هذا لا يجوز ومن الظلم المحرم، فالولد أو البنت لهما ذمة مالية مستقلة، وأما الاستدلال بالحديث المذكور ففيه الملاحظات التالية:

1- هذا الحديث لا يراد منه ظاهره، بل هو مبالغة في بيان حق الوالد على ولده، فكأن الولد ملك أبيه لعظيم حقه عليه، وإلا فلا قائل من العلماء أن الأب يملك ولده بحيث يحق له التصرف في الولد بيعا أو شراء أو هبة أو إتلافا... الخ، وما دام أن الأب لا يملك الولد على الحقيقة فكذلك لا يملك ماله على الحقيقة.

2- العلماء متفقون على أن زكاة مال الولد عليه، وأن له حق بيع ماله أو هبته دون إذن أبيه أو رضاه، وأنه ليس للأب أن يطأ جواري ابنه، فدل ذلك على أن ملك الابن على ماله ملك تام، فلا يخرج عن ملكه إلا برضاه واختياره.

3- إذا مات الولد فليس لأبيه من ميراثه إلا السدس، وليس لأمه من ميراثه إلا السدس، كما قال تعالى: (ولأبويه لكل واحد منهما السدس مما ترك إن كان له ولد)، ولو كان مال الابن لأبيه لورث جميع المال، ولم يشاركه في ذلك سائر الورثة.

4- ومن أبى إلا الإفراط في الأخذ بالظاهر، وصرف القلب والنظر عن الأخذ بجميع ما سبق بيانه فيقال له: قد جاء في الحديث الصحيح الذي خرجه الحاكم وغيره وإسناده صحيح كما قال العلامة الألباني: (إن أولادكم هبة الله لكم، فهم وأموالهم لكم إذا احتجتم إليها)، فقيد الأمر بالحاجة، ومفهومه أما إذا لم تكن بكم حاجة فليست أموالهم لكم.

فتكون القصة بهذا صحيحة الإسناد، ولكن المعنى ليس على ظاهره كما يظن كثير من العامة.

ملاحظتان:

1- ليس معنى ذلك التقليل من شأن طاعة الوالدين والبر بهما وتسخير النفس والمال طلبا لرضاهما، فهذا لا يخفى على عالم ولا جاهل، ولكن المراد بيان العدل والقسط حتى لا يظلم أحد أحدا.

2- ظن كثير من الإخوة حين ذكرت (القصص المشهورة التي تغرس مفاهيم مغلوطة) في المنشورات السابقة أنني أشترط لقبول القصص ما يُشترط في أحاديث الأحكام، فما لبثوا يرسلون إليّ كل قصة يجدونها يسألون عن صحتها، وليس هذا مقصودي، فإن العلماء لا يشترطون في قصص الوعظ والسيرة ما يشترطون في أحاديث الأحكام من صحة الإسناد وسلامته من كل مطعن، بل يتساهلون في ذلك ما دامت القصة غير مكذوبة، وليس فيها مبالغات لا تجوز، ولا تقرر أحكاما شرعية، فإن قررت أحكاما شرعية طلبوا له الشروط التي يطلبونها في الحديث، وإنما مرادي من هذه السلسلة بيان المفاهيم المغلوطة التي يفهما الناس من هذه القصص، سواء كانت هذه القصص صحيحة أو ضعيفة، ولذا تعمدت في هذا المنشور أن تكون قصتنا صحيحة والفهم لها مغلوط ليزول هذا اللبس.

محبتي لكم.. وإلى اللقاء في قصة جديدة

ـ✾═══════════✾

عن طريق تطبيق فتاوى الدكتور يوسف الرخمي

x