مسجد البشير الابراهيمي في مدينة بوسعادة في جمهورية الجزائر ٦

مسجد البشير الابراهيمي في مدينة بوسعادة في جمهورية الجزائر ٦



مسجد (البشير الإبراهيمي) في مدينة بو سعادة بجمهورية الجزائر .

أ.د.فؤاد البنا

يستوطن هذا المسجد الرائع قلب مدينة بوسعادة التي تقع في جنوب العاصمة الجزائر بمسافة ٢٤٢كم، وتتبع ولاية المسيلة، وهو واحد من عشرات المساجد التي تزدان بها مدينة بوسعادة وتزداد بها سعادة، لكنه أكبرها وأجملها!

يحمل المسجد اسم شخصية جزائرية كبيرة، وهو مع رفيقه عبد الحميد بن باديس مؤسسا جمعية العلماء المسلمين الجزائريين التي قادت معركة المحافظة على الهوية الإسلامية للجزائر أمام أمواج الفرنسَة التي ضربت الجزائر بعنف لا نظير له في أي بلد مسلم في العالم، وبجانب دوره الإصلاحي والدعوي فإن البشير الإبراهيمي مفكر كبير له أفكار عميقة وكتابات رائعة!

بدأ تأسيس المسجد سنة ١٩٨١ وقيل ١٩٧٣م، والعجيب أن تحفة معمارية بهذه الفخامة والضخامة لا يوجد لها تأريخ مكتوب ولا حتى اتفاق على سنة التأسيس!

قام بتصميم هذا المسجد بنّاءٌ أمي لا يقرأ ولا يكتب وينتمي إلى هذه المدينة، لكنه أشهر بنّاء في تأريخ الجزائر المعاصر، وهو الحاج مسعود الكليطي (ابن زيان)، وقد طلبت منه الجهة المتبنية لبناء المسجد أن يبني لها مسجدا على نمط مسجد أيا صوفيا في مدينة اسطنبول، وقد تخيله من خلال سلسلة من الصور التي أعطيت له لهذا المسجد، مستندا عليها في وضع المخطط المعماري المتميز لهذا المسجد الساحر بمعماره الخارجي وتصميمه الداخلي، وأثبت بذلك أن الخيال قد يكون أجمل من العين، فقد ملأ الزوايا التي لم تصلها عينه بخياله الخصب وخرج بتحفة معمارية نفيسة، ولا شك بأنها أفضل من الاستنساخ الحرفي الذي كان يمكن أن يحدث لو ذهب إلى اسطنبول ورأى كل شيء وطبقه بصورة حرفية!

ومن الواضح أن التصميم قد زاوج بين عناصر معمارية تنتمي إلى المدرستين الإسلامية والبيزنطية، مع بصمات محلية أبدعها ابن هذه المدينة التي اشتهرت بمساجدها الرائعة، كما رأيت عددا منها من خلال الصور!

للمسجد مئذنتان سداسيتا الأضلاع، وتقفان بشموخ ودلال على زاويتي الواجهة الرئيسية للمسجد، ولكل منارة ثلاث شرفات جميلة. وفوق قاعة الصلاة تتراكب ١٢ من القباب وأنصاف القباب بصورة تصاعدية جميلة مع نقوش وزخارف أنيقة، وفتحات واسعة تسمح بنفاذ الهواء والضوء بطريقة انسيابية للغاية إلى داخل المسجد الذي يعد متحفا متكاملا تتزاحم فيه عدد من التحف الفنية المدهشة؛ ابتداءً من أعمدته الضخمة وارتفاعه المبهر، ومرورا بنقوشه وزخارفه الرائعة والتي لم تترك أي مساحة دون أن تطالها بجمالها الساحر، ووصولا إلى أقواسه وألوانه التي عملت بذوق رفيع !

والعجيب أن اتساع المسجد بصورة كبيرة لم يقلل من جمالياته التي تم توزيعها بعناية وجرى تنسيقها بإحساس مذهل!

x