إثبات عذاب القبر والرد الساطع على منكريه لفضيله الشيخ الدكتور يوسف الرخمي عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين

إثبات عذاب القبر والرد الساطع على منكريه لفضيله الشيخ الدكتور يوسف الرخمي عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين



إثبات عذاب القبر


📌 لا إشكال عند جماهير الأمة الإسلامية في عقيدة عذاب القبر ونعيمه، وهم يتعوذون بالله من عذاب القبر في كل صلاة بعد التشهد، ويزورون القبور بين فينة وأخرى يطلبون لسكانها الرحمة والنعيم، وأن يرفع الله عنهم عذاب القبر وأهواله، ولكن بين وقت وآخر تنتشر في مواقع التواصل منشورات تشكّك في هذا، وتبثّ شبهات حول الموضوع، ولا تمر مدة قصيرة إلا وأُسأل عن ذلك، فكتبت هذه السطور تفصيلا بما تسمح به طبيعة النشر في وسائل التواصل الاجتماعي، وأجبت عن أشهر الشبهات الرائجة في هذه المسألة.

📌 وإثبات عذاب القبر ونعيمة هو عقيدة سائر طوائف أهل السنة والجماعة، ولم ينكره إلا بعض المعتزلة والجهمية والخوارج، وبسبب خلفية الاعتزال التي ينتمي إليها أكثر أتباع المذهب الزيدي دخلت عليهم هذه المخالفة لنصوص الكتاب والسنة، وأنكر جماعة منهم عذاب القبر.

📌 وهذه بعض النصوص التي تدل على عذاب القبر من الكتاب والسنة، ذكرت بعضها وأخصرها.

📌 من القرآن:

1- قال تعالى: (وحاق بآل فرعون سوء العذاب ، النار يعرضون عليها غدواً و عشياٌّ ويوم تقوم الساعة أدخلوا آل فرعون أشدَّ العذاب ). سورة غافر: 45. فبيَّن الله تعالى أن آل فرعون يُعرضون على العذاب صباحا ومساء مع أنهم قد ماتوا، وأن هذا العذاب قبل يوم القيامة كما يظهر من العطف بالواو التي تفيد المغايرة، وليس هذا العذاب إلا عذاب القبر، وهذه الآية من أصرح الأدلة القرآنية في عذاب القبر.

2- قال تعالى: (ولو ترى إذ الظالمون في غمرات الموت والملائكة باسطوا أيديهم أخرجوا أنفسكم اليوم تجزون عذاب الهون بما كنتم تقولون على الله غير الحق ). الأنعام :93. وهذا خطاب لهم عند الموت، وإخبار لهم أنهم سيذوقون في يومهم عذاب الهون، ولو كان هذا العذاب متأخرا إلى قيام الساعة لما صح أن يقال لهم ( اليوم تجزون) فكانت دليلا على إثبات عذاب القبر.

3- قال تعالى: (سنعذبهم مرتين ثم يردون إلى عذاب عظيم). التوبة: 101. فالعذاب الأول المذكور في الآية الكريمة هو العذاب في الدنيا، والعذاب الثاني هو عذاب القبر، وهاتان هما المرتان، ثم قال تعالى: ثم يردون إلى عذاب عظيم ، وهذا عذاب يوم القيامة.

والآيات التي تشير إلى عذاب القبر من القرآن كثيرة جدا، ولولا خشية التطويل والإملال لذكرتها كلها، وحسب مريد الحق دليلا واحدا.

📌 وأما الأدلة من السنة فهي أكثر صراحة ووضوحا، وقد بلغت حدّ التواتر، وهي من الكثرة بحيث لا يمكن إيرادها كلها بهذه العجالة، وهذه إشارة لبعضها:

1- في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم مرَّ بقبرين فقال: (إنهما ليعذبان وما يعذبان في كبير، أما أحدهما فكان لا يستبرئ من البول، وأما الآخر فكان يمشي بالنميمة).

2- وفي صحيح مسلم قال صلى الله عليه وسلم: (إن هذه الأمة تبتلى في قبورها، فلولا أن لا تدافنوا لدعوت الله أن يسمعكم من عذاب القبر الذي أسمع منه).

3- وفي صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (إذا فرغ أحدكم من التشهد الأخير فليتعوذ بالله من أربع : من عذاب جهنم ومن عذاب القبر ومن فتنة المحيا والممات ومن فتنة المسيح الدجال).

4- وفي صحيح البخاري عن أسماء بنت أبي بكر ـ رضي الله عنها ـ قالت: قام رسول الله صلى الله عليه وسلم خطيباً فذكر فتنة القبر التي يُفتتن فيها المرء، فلما ذكر ذلك ضجَّ المسلمون ضجَّة.

5- وقد امتن الله على الشهداء بأن أجارهم من عذاب القبر؛ كما روى الترمذي وابن ماجه بإسناد صحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (للشهيد عند الله ست خصال: يغفر له في أول دفعة، ويرى مقعده من الجنة، ويجار من عذاب القبر، ويأمن من الفزع الأكبر، ويوضع على رأسه تاج الوقار الياقوتة منها خير من الدنيا وما فيها، ويزوج ثنتين وسبعين زوجة من الحور العين، ويشفع في سبعين من أقربائه).

إلى غير ذلك من النصوص.

🚫 وقد أورد المخالفون شبهات كثيرة تشغيبا على هذه النصوص الصريحة فأوردت أشهرها وأجبت عليها:

1- قوله تعالى : ﴿ ويوم تقوم الساعة يقسم المجرمون ما لبثوا غير ساعة كذلك كانوا يُؤْفَكُون ﴾ الروم:55. قالوا: كأنهم كانوا نياماً فاستيقظوا من نومهم، فلو أنهم كانوا قد عُذِّبوا في قبورهم لشعروا بذلك.

💡 والجواب عليهم من نفس الآية، وهو قوله: (كذلك كانوا يُؤْفَكُون) فلقد كذب الله دعواهم في ذلك، ووصف قولهم بالإفك وهو الكذب، وأنهم (كانوا) أي في الدنيا يكذبون، وهاهم في الآخرة يكذبون أيضا.

2ـ ومن شبههم: قوله تعالى: ﴿ ونفخ في الصور فإذا هم من الأجداث إلى ربهم ينسلون، قالوا يا ويلنا من بعثنا من مرقدنا هذا ما وعد الرحمن وصدق المرسلون﴾ [يس: 51 – 52. والشاهد من الآية أنهم لما بُعثوا من قبورهم قالوا: من بعثنا من مرقدنا؛ أي مضجعنا، دلّ ذلك على أنهم كانوا في نوم ولم يكونوا في عذاب.

💡 والجواب: أن هذا لا ينفي عذابهم في قبورهم؛ فإنهم لما رأوا الأهوال يوم القيامة كان ما مضى من عذابهم في القبر بالنسبة له كالرقاد والمنام لشدته وهوله.

3- ومن شبههم: أن عذاب القبر من مسائل العقيدة والغيب، ولا يقبل فيها إلا نصا قطعيا.

💡 والجواب: أن هذا باطل، فمسائل العقيدة كغيرها من المسائل يقبل فيه القطعي والآحاد، ومن ادعى التفصيل فعليه بالدليل.

ومن جهة أخرى فإنه يجب عليهم على مذهبهم الإيمان بعذاب القبر، فلقد سبقت آيات عذاب القبر من القرآن، والقرآن قطعي من حيث الورود، ودلالة الآيات بمجموعها قطعي في إثبات عذاب القبر، وأما السنة فالنصوص من حيث الورود متواترة معنويا في إثبات عذاب القبر لمن له أدنى إلمام بعلوم الحديث وطرقه، والمتواتر من أقسام القطع، ودلالتها قطعية أيضا كما هو ظاهر لآحادها ولمجموعها، فثبت القطع في هذه المسألة لنصوص الكتاب والسنة من حيث الدلالة ومن حيث الورود، لكل منهما على حدة، ولمجموعهما معا.

📌 هل يقول الزيدية بعذاب القبر؟

💡 الجواب: نعم مذهب أكثر الزيدية كغيرهم من أهل العلم في إثبات عذاب القبر أو نعيمه.

يقول عبد الله بن حمزة: مذهبنا أن عذاب القبر صحيح.

وقال القاسم بن محمد: أئمتنا والجمهور أن عذاب القبر ثابت خلافاً لقديم قولي أحمد بن سليمان.

وقال محمد بن الحسن بن القاسم: وعذاب القبر ثابت لمستحقه عند أكثر العترة والجمهور من غيرهم.

📌 وبقيت هنا مسألة وهي: هل يقع عذاب القبر على الروح فقط، أو يقع على الروح والجسد معا؟

💡 هذا محل خلاف بين أهل العلم، والصحيح من أقوالهم أن هذا العذاب يقع على الروح وحدها تارة، ويقع على الجسد وحده تارة، ويقع على الروح والجسد معا تارة، وأن الروح تتصل بالبدن أحيانا على هيئة وكيفية لا يعلمها إلا الله، فيتعذبان معا أو يتنعمان معا، ولا يقال كيف يحصل ذلك ونحن نرى الجسد يفنى ويرمّ، فإن هذا غيب، ولله القدرة الكاملة، وإننا نرى النائم يرى الأهوال في منامه حتى يعرق جسده وتتسارع نبضات قلبه، وينتفض من منامه فزعا، وإلى جواره نائم يرى أحلاما جميلة ويتقلب مبتسما متنعما، فلا يشعر هذا بما يشعر به ذاك، وينظر الناظر إليهما فلا يرى إلا جسدا خامدا لا نعيم فيه ولا عذاب، فإذا صح هذا في المعتاد من أحوال البشر صح فيما لم يعتده الناس من الغيب الذي اختص الله بعلمه، على أن الغيب لا يطالب فيه إلا بإثبات حصوله ممن له الاختصاص بعلمه، ولا يطالب ببيان كيفيته، ولذاكان الإيمان به من خصائص أهل الإيمان، كما قال تعالى: (ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين، الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون).

🌷 وما أجمل ما قاله في ابن تيمية رحمه الله في ذلك: (ولا نتكلم عن كيفيته، إذ ليس للعقل وقوف على كيفيته، لكونه لا عهد له به في هذه الدار، والشرع لا يأتي بما تحيله العقول ولكن قد يأتي بما تحار فيه العقول).

🌷 وما قاله ابن أبي العز الحنفي في شرحه على العقيدة الطحاوية: (وقد تواترت الأخبار عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في ثبوت عذاب القبر ونعيمه لمن كان لذلك أهلا، وسؤال الملكين، فيجب اعتقاد ثبوت ذلك والإيمان به، ولا يتكلم في كيفيته؛ إذ ليس للعقل وقوف على كيفيته، لكونه لا عهد له به في هذا الدار... واعلم أن عذاب القبر وعذاب البرزخ حق، فكل من مات وهو مستحق للعذاب ناله نصيبه منه، قُبر أو لم يُقبر، أكلته السباع أو احترق حتى صار رمادا، ونسف في الهواء، أو صلب أو غرق في البحر، وصل إلى روحه وبدنه من العذاب ما يصل إلى المقبور، وما ورد من إجلاسه واختلاف أضلاعه ونحو ذلك، فيجب أن يفهم عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - مراده من غير غلو ولا تقصير)..

ـ✾═══════════✾

عن طريق تطبيق فتاوى الدكتور يوسف الرخمي

x