مسجد (الجمعة) في مدينة دربند بجمهورية داغستان التابعة لجمهورية روسيا الاتحادية.
أ.د.فؤاد البنا
يؤكد كثير من المؤرخين أنه أقدم مسجد في روسيا بل وفي مجموعة الدول المستقلة عن الاتحاد السوفييتي. يقع المسجد في مركز مدينة دربند القديمة التي تمتلك تاريخا عريقاً يقال إنه يعود إلى ٦ آلاف سنة، وتقع بالقرب من مصب نهر سامور في البحر، وهي المدينة الثانية الآن في داغستان، وكان العرب الفاتحون يسمونها مدينة باب الأبواب، إذ من خلالها انتقلت الفتوحات إلى مختلف بلدان وسط آسيا؛ فكأن شلال الدعوة الإسلامية قد تصبب منها ليغمر سائر بلدان المنطقة !
ومن المرجح أن الذي بناه هو القائد الأموي مسلمة بن عبد الملك الذي كان واليا لأذربيجان وأرمينيا بعد فتحهما، وقد بني في سنتي ٧٣٣ و٧٣٤م، حيث تم البناء وفقا للطابع المعماري السائد هناك، مما يؤكد مرونة العمارة الإسلامية المستمدة من مرونة الثقافة نفسها!
وبعد نحو ٧ قرون تم بناء مدرسة بجانب المسجد وألحقت به، ومثل كل المساجد فقد تعرض خلال قرون من عمره المديد لدمار جزئي نتيجة الهزات الأرضية، وجرت صيانته وإعادة بنائه عدة مرات، مما جعل حجمه وشكله يتغيران إلى حد ما، ولم يصبح بالصورة التي هو عليها الآن إلا عام ١٨١٥م، وكان حينئذ أكبر وأجمل مبنى في المدينة كلها!
وتم إغلاقه في فورة الثورة الشيوعية المعادية للأديان، وبالتحديد سنة ١٩٣٠م، ثم حولته وزارة الداخلية إلى سجن لمعارضي النظام الشيوعي وعلى رأسهم المصلين، واستمر سجنا من سنة ١٩٣٨م حتى سنة ١٩٤٣م حينما تمت إعادته للمسلمين لأسباب لا نعلمها، وصار في تلك الأثناء أكبر مسجد في شمال القوقاز.
بني المسجد على مساحة تبلغ أكثر من ١٩٠٠م٢، ويتسع لعدد كبير من المصلين، وبجانب المصلى توجد في هذا المبنى الكبير مدرسة دينية، ومقر عمل الأئمة، وقد تم مؤخراً إدراج المبنى ضمن قائمة اليونسكو للتراث العالمي.
يزدان المسجد بقبة يبلغ قطرها أكثر من ٩م، ويبلغ ارتفاعها ١٧م وهو ما يزيد عن ارتفاع عمارة ذات ٤ أدوار، وتتميز بتصميم جميل يعطي المسجد نكهته الخاصة!
ورغم أن المنطقة التي يوجد فيها المسجد ذات أغلبية سنية، إلا أن الشيعة هناك ينشطون بشكل فعال، وبسبب المكانة التأريخية للمسجد فإن جميع المسلمين يحاولون التبرك به، ومن الصور الغريبة لهذا الأمر أن المسجد تقام فيه صلاة الجمعة مرتين مرة للسنة ومرة للشيعة!
