مسجد هارون الرشيد في مدينة شبام حضرموت الجمهورية اليمنية1

مسجد هارون الرشيد في مدينة شبام حضرموت الجمهورية اليمنية1



مسجد (هارون الرشيد) في مدينة شبام التابعة لمحافظة حضرموت، الجمهورية اليمنية.

يعد من أقدم مساجد اليمن ويتنافس على المركز الأقدم مع ثلاثة مساجد، وهي: مسجد معاذ بن جبل في الجند بمحافظة تعز، والجامع الكبير في مدينة صنعاء، وجامع الأشعريين في مدينة زبيد بمحافظة الحديدة، ويبدو أن المساجد الأربعة بنيت في ذات العام؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم أرسل ٤ من أصحابه كولاة على هذه المناطق الأربع في وقت واحد، ومن ثم فإنها تعود جميعها إلى عصر الرسول، وتم البدء بتأسيسها في نهاية العام ٩ أو بداية سنة ١٠ للهجرة، ومنها هذا المسجد الذي أسسه الصحابي زياد بن لبيد، وكان صغيرا بلا شك وبسيطا؛ إذ تكونت أعمدته من جذوع النخيل وتم سقفه بسعفها.

لكنه اكتسب مكانته من تأسيس أحد الصحابة له ومن توطنه في مدينة سبئية ذات تأريخ مجيد!

ويبدو أن سمعة هذا المسجد وصلت إلى الخليفة العباسي هارون الرشيد في القرن الثاني الهجري، فأمر بهدمه وبنائه من جديد بحجم أكبر وعمارة أجمل، وخصص له أوقافاً كثيرة في وادي حضرموت، ولإعجاب أهالي المدينة بهذا الموقف فقد تواطؤوا على تسميته بجامع هارون الرشيد!

وفي القرن السابع الهجري كانت اليمن تعيش عصرها الذهبي في ظل الدولة الرسولية التي حكمت اليمن الكبير كله من عاصمتها في تعز، فأمر الملك الرسولي المنصور عمر علي رسول بإجراء صيانة واسعة للمسجد وأهداه منبرا متميزا تمت صناعته بطريقة متقنة في مدينة عدن، وكان ذلك سنة ٦٤٣ هجرية.

وتمت بعد ذلك صيانة المسجد مرات عديدة على يد بعض تجار حضرموت، وفي العصر الحديث أعيد تأهيله مرتين: الأولى في عام ١٣٨٥هـ الموافق ١٩٦٥م، عندما تم هدمه وأعيد بناؤه من جديد، وحينها اكتسب المسجد بناءً قوياً لكنه خسر بعض سماته الأصيلة، والثانية في عام ١٤١٧ هجرية الموافق ١٩٩٦م، حيث تم ترميمه ليصبح بهذه الصورة. وفي الفترة ما بين ٢٠٠٥ و٢٠٠٨م تمت صيانة منبره الرسولي الذي بدأ بالتآكل بعد ٨ قرون من عمره المديد، وتم الأمر بطريقة احترافية عبر جمعية تطوير الحرف التراثية في مدينة شبام.

وقد اختير مكان المسجد في قلب المدينة، وكأن أهاليها يقولون بأن المسجد هو قلبهم الذي يتنفسون من خلاله أنسام الحياة الطيبة التي جاء بها الإسلام، عبر جمعه بين المادة والروح وتأليفه بين الدنيا والآخرة.

وبصدق وفخر نقول بأن مساجد حضرموت ما زالت من بين مساجد المسلمين كافة الأقرب إلى طبيعة المسجد في الإسلام، من حيث توطن قداسته في قلوبهم وجعله محور حياتهم بكافة أبعادها!

بني المسجد على الطابع الحضرمي المتفرد في بناء المساجد مع قليل من الاقتباسات البسيطة من بعض الفنون في المعمار الإسلامي.

للمسجد قاعة صلاة كبيرة يرتفع سقفها فوق عدد من الأعمدة التي تعلوها أقواس، وليس له قبة ولكن يوجد منوران كبيران يسمحان بنفاذ الضوء الطبيعي من السقف إلى الداخل، بجانب النوافذ التي تقوم بدور كبير في هذا السياق.

وفي وسط المبنى يوجد صرح مكشوف يزدحم يوم الجمعة بالمصلين، وتحيط به ٣ أروقة، وفي الركن توجد مئذنة بنيت وفق الطابع الغالب على المساجد الحضرمية.

يزدان المسجد بلونه الأبيض في الداخل والخارج، وكأنه يعبر عن القلوب البيضاء التي ينبغي أن يكون عليها رواد المساجد، وبالطبع فإن أغلب الحضارمة قد حافظوا على نمط من التدين أقرب إلى روح الإسلام؛ ففتحوا القلوب والعقول حيثما ذهبوا ولا سيما في جنوب شرق آسيا وفي شرق إفريقيا!

أ.د.فؤاد البنا

x