#مسجد ومدرسة (العامرية) في مدينة رداع بالجمهورية اليمنية.
أ.د.فؤاد البنا
يعد من أهم المساجد والمدارس الأثرية الجميلة في اليمن، ويقع في قلب مدينة رداع التي كانت عاصمة للدولة الطاهرية أثناء بناء هذا المعلَم الديني والحضاري العظيم، وتتبع مدينة رداع الآن محافظة البيضاء في وسط اليمن. وبالقرب من المسجد والمدرسة توجد ربوة ترتفع فوقها واحدة من أهم القلاع في اليمن، وكأن هذه الثلاثية: المسجد والمدرسة والقلعة، تتضافر مع بعضها في بناء عناصر القوة الضرورية لحراسة هذه المدينة التي يحمل اسمها معنى القوة (رداع)، وهي قوة الروح والإرادة، وقوة العقل والوعي، وقوة الساعد والسلاح!
تم تأسيس هذا المبنى بجناحيه الروحي (المسجد) والعقلي(المدرسة) سنة ١٥٠٤م على يد ملك الدولة الطاهرية عامر بن عبد الوهاب والذي كان يلقب بالظافر، وسمي المسجد باسمه، وأشرف على بنائه بهذا الجمال الباذخ وزيره الأمير علي بن محمد البعداني، وكان النشاط الذي يقوم به المسجد آنذاك أشبه بنشاط الجامعات الإسلامية في عصرنا!
تعرض هذا المبنى الفريد لأصناف من الأذى والإهمال المتعمد من قبل الإماميين الشيعة المتلفعين برداء الزيدية، وعلى رأسهم الإمام المهدي محمد بن أحمد بن الحسن (ت/سنة ١١٣٠ هجرية) الذي أراد هدمه بزعم أنه من آثار كفار التأويل، وكفار التأويل عند ذلك المأفون هم أتباع المذهب الشافعي الذين يشكلون أكثر من ٨٠% من سكان اليمن، لكن القاضي علي بن أحمد السماوي (ت/ سنة ١١١٧هـ) حذره من مغبة هذا الصنيع؛ فتراجع واكتفى بطمس أهم الملامح الجمالية فيها وأهمها الشرفات الجميلة، تبرئة ليمينه الفاجرة!
وللأسف الشديد فإن هذا المبنى النفيس لم يجد ما يستحق من عناية واهتمام حتى بعد الثورة اليمنية في ٢٦ سبتمبر ١٩٦٢م، وظل يتقادم بفعل عوامل التعرية وانعدام الصيانة حتى عام ١٩٧٨م، عندما قامت عالمة الآثار العراقية سلمى الراضي بتبني حملة لتمويل ترميمه وإعادة تأهيله من جديد، واستمرت في عملها الدؤوب لمدة اثنتين وعشرين سنة، وظل المبنى مرشحا للدخول ضمن مواقع التراث العالمي، ولو أعطاه اليمنيون ما يستحق من عناية ورعاية لكان قد دخل من زمن بعيد!
ورغم ما تعرض له مبنى العامرية من أذى وإهمال، فما يزال عامرا بالمصلين وما يزال يزدان بعدد من النفائس الجمالية المتفردة، حيث يزدهي في الداخل بالنقوش والزخارف الرائعة والتي تتكون من أشكال هندسية متداخلة ونباتات مرسومة بطريقة متقنة، وخطوط عربية جميلة كتبت بخط الثلث.
ويتكون هيكل المسجد من دورين عريضين، خصص الدور الأرضي للمدرسة بفصولها الواسعة وحماماتها الأنيقة، وخصص الدور الثاني كمسجد يتدفق الجمال من كل جهاته، حيث يزخر بالزخارف الحجرية والجصية ولا سيما في أطراف السقف، وبدلا من أن تزين سطحه قبة تقليدية فقد ارتفع مبنى في القلب على شكل مستطيل وتعلو سقف المستطيل ست قباب جميلة، ويمثل هذا المستطيل قاعة الصلاة الرئيسية، وتتضمن بقية المساحة الكبيرة صرحا مسقوفا تحيط به ثلاثة أروقة، وينفتح كل رواق على الصرح أو الفناء المسقوف، عبر ثلاثة عقود مدببة ترتكز على دعامات وأعمدة رخامية، وتوجد فوقها قباب مخروطية أخرى موزعة على أطراف السقف!
وفي فناء المبنى توجد بركتان جميلتان للوضوء، ويبدو أنهما مربعتان وقد صممتا بشكل متميز، ومن جانبهما يرتفع سلم حجري إلى باب المسجد في الدور الثاني، بينما يتم الولوج إلى المدرسة عبر ثلاثة أبواب متوزعة بين الجهات الغربية والشرقية والجنوبية، والتي تنفتح من فناء المبنى إلى داخل المدرسة، بغرفها المتعددة والتي تفصل بينها جدران سميكة حتى تتحمل ثقل المسجد وتمنع الأصوات من التداخل.
ورغم أن المبنى بمسجده ومدرسته يمتلك أوقافا كثيرة تكفي لأن تجعله تحفة متجددة دوما، إلا أن فساد الحكام والمحكومين يلتهم أموال الوقف ويترك المسجد بائسا كالأيتام على موائد اللئام، وقد تضاعفت هذه المعضلة بعد الانقلاب الحوثي في عام ٢٠١٥م الذي ابتلع كل أموال البلاد ومنها أموال الأوقاف، ومن المعلوم أن الحوثيين يجمعون بين فساد البطون وفساد العقول؛ إذ أنهم يتبنون أفكار تكفير المسلمين السنة ويستحلون مقدساتهم وأموالهم تحت لافتة كفر التأويل!